عبد الحليم حافظ …

العندليب.. الفنان الذي فجر ثورة في الطرب العربي…

 

ليس من السهل أبدا أن تبرز و تظهر في وقت كان يعتبر العصر الذهبي للفن و الطرب العربي ..ليس من السهل أن تغير ذوق الجماهير التي تعودت على السيد درويش و منيرة المهدية و ليس من السهل أن تفرض وجودك الفني و انت تواجه عمالقة من عمالقة الطرب العربي كالموسيقار محمد عبد الوهاب و السيدة أم كلثوم و الموسيقار فريد الأطرش..

في هذا الوسط نشأ العندليب الأسمر ذلك الشاب النحيف الذي كان يدرس الموسيقى و تخرج كاستاذ لهذه المادة..و لم تدوم مدته كمدرس الا قليلا..

من ثمة اتخد العندليب قرارا حاسما في حياته و هو أن يصبح مطربا.. فاشتغل بالاذاعة كعازف على أله الأبوا.. و من ثمة بدات علاقاته تتسع , حتى جاءت له الفرصة ليعني . قصيدة “لقاء” كلمات صلاح عبد الصبور، ولحن كمال الطويل عام 1951،..

بدأ يلفت انتباه بعض الموسيقيين و انبهروا في قدراته الصوتية.. لكن كل هذا لن يشفع له أمام الجمهور الذي كان قاسيا معه في البداية حيث صدم و ه يعني أغنيىة ( صافيني مرة ) من الحان الموسيقار محمد الموجي سنة1952.. هذه الأغنية التي لم يستوعبها الجمهور جيدا ..لكن عزيمة العندليب (عبد الحليم علي شبانة ) و هو اسمه الحقيقي كانت قوية و كان مقتنعا بأنه سينال اعجاب الجماهير..

هنا كان المنعطف بالنسبة لعبد الحليم و هنا تظهر عبقرية عبد الحليم و ذكاءه الخارق , حيث كان ذكيا في معرفة ما يريده الجمهمور و في نفس الوقت كيف يغير من ذوق الجماهير التي اعتادت على نمط معين من الغناء..

حيث أحدث ثورة فنية على الطرب العربي و ذلك بادخاله و مزجه لألات الغربية مع العربية بدهاء كبير هذه الأخيرة التي أضافت الكثير الى الموسيقى و اللحن العربي

بالاظافة الى تعامله مع بعض الملحنين الذين كانوا يؤمنون بفكرته خاصة الذين كانوا من جيله ككمال الطويل و محمد الموجي و الاسطورة بليغ حمدي .هؤلاء استطاع عبد الحليم أن يوظفهم في أغانيه فلحنوا له أروع الالحان و اجمل الأغاني على الاطلاق .. فمن منا لا يذكر( زي الهوى/ موعود/ فاتت جنبنا/ نبتدي منين الحكاية/ حاول تفتكرني / أي دمعة حزن لا ) فأكتشف الجمهور نمطا طربيا جديدا و موسيقى راقية و مليئة بالاحساس الصادق ..و من هنا بدأت فعلا حياة فنية جديدة لعبد الحليم كما بدأت بروز مدرسة فنية طربية جديدة في الوطن العربي…

لم يتوقف العندليب عند هذا الحد فقط و انما اراد ايضا ان بقحم الشعر الفصيح في أغانيه و أن يرسخها في وجدان الجماهير مما أدى به الى التعامل مع الشاعر الراحل نزار قباني في رسالة من تحت الماء و قارئة الفنجان و هنا أشير الى مدى ذكاء عبد الحليم في اختياره للشاعر نزار فالعندليب سبق ان سمع قصيدة لاتكذبي و التي أدتها نجاة الصغيرة و هي من الحان الموسيقار محمد عبد الوهاب و لاحظ مدى تجاوب الجمهور مع الاغنية الفصيحة مما ادي به هو ايضا ان يؤدي نفس القصيدة و هنا وقع الخلاف بينه و بين السيدة نجاة الصغيرة لعدم استشارتها في ذلك..

هناك عامل اخر صنع مجد عبد الحليم و هو توزيعه لأعانيه و اقصد هنا التوزيع الموسيقي و هذا لكونه استاذا في الموسيقى مما سمح له بتكييف التوزيع حسب قدراته الصوتية و ايضا حسب احساسه و لهذا كانت كل قصائده مليئة بالاحساس الصادق و المؤثرة فعلا في المستمع…

ما لا يعرفونه الاعلاميون عن عبد الحليم حافظ:

لقد كان الراحل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ اعلاميا و صحفيا متميزا.. علما أن العديد من الاعلاميين يجهلون ذلك.. فقد سبق له أن نشر العديد من القالات و الحوارات الفنية في مجلة الكواكب المصرية.. و من أشهر حواراته و استجواباته كانت مع المطربة منيرة المهدية…. حتى قال عنه الكاتب الكبير مصطفى أمين أن عبد الحليم محاور متميز من الطراز الرفيع….

هكذا كان الأسطورة عبد الحليم حافظ. و قد تفوق ايضا في التمثيل و ترك العديد من الافلام اخرها كان ( ابي فوق الشجرة).. ولد يتيما و عاش فقيرا.. و مات مريضا..هكذا شاءت الأقدار… لقد أطرب الملايين من المحيط الى الخليج.. كان خير سفير للأغنية العربية.. غنى للوطن.. للعروبة.. للحب.. للمعاناة…. مهما كتبتا عن العندليب الأسمر لا نستطيع ان نوفي بكل مسيرته الفنية.. فكل دقيقة من حياته كانت تنبض فنا و ألما… لقد كان مجددا في الأغنية العربية حيث سبق زمنه بأشواط وشكل مدرسة خاصة به و بأسلوبه… يكفيه فخرا أنه باق أبد الدهر يطرب الملايين لا يزال الاقبال على أغانيه يتصدر القائمة لحد الآن.. فهو مطرب كل العصور و كل الأجيال..

*****

(*) من سلسلتي عمالقة الطرب العربي “بتصرق”.

 

اترك رد