د. سلوى الخليل الأمين (رئيسة ديوان أهل القلم)
عرمون …
ما أجملك وأنت تتهادين كالعروس فوق هودج الفصول، تعانقين الماضي البعيد، الذي يقطر أملا، يرسم لوحات الحياة على يراع كاتب، أراد أن يقطف من ذاكرة ماضيك،هناءات الخواطر، المتشابكة مع استراحات الدهور، وخفق الصبوات، وشهوات المطامح، التي تخط على حاضر الأيام، واستراحات الحياة، مشهدياتها القمرية،التي تسحر المستقبل الآتي، بشعشعانية أنوار تهب من لياليها العتاق، التي نثرت على هذه الآكام الربيعية أحلامها الوردية المعبأة بالحب للأرض، والوفاء للوطن، وبمصداقية ناسها المعروفين بعطاءاتهم، التي تنز كرماً ونبلا وشهامة ومعروفاً ومصداقية، وجدية قلبت كل الموازين في هذه الضيعة المرتاحة بدلال على مهج أبنائها، الذين رفعوها من حالة الإهمال المستشري في وطننا لبنان، إلى واجهة البلدات المتخمة بالمدارس الرسمية والخاصة، والجمعيات الثقافية، والمكتبات العامة، والمراكز الصحية والمدنية وغيرها من ظواهر الحضارة النهضوية المتطورة، مما جعلها حاضرة ثقافية وفنية واجتماعية متميزة، أعطت الوطن رجالات عظام في مختلف إدارات الدولة الرسمية والمؤسسات الخاصة.
واليوم، وأنا في بلدة عرمون، أطل في هذه الأمسية الراقية على كتاب الصديق، رجل التربية والعلم والمعرفة… المفتش الأستاذ شفيق يحيى ” عرمون في الذاكرة والطبيعة”، لا يسعني سوى القول: إنني سعدت جداً وأنا أقرأ هذا الكتاب الحدث، عن تاريخ عرمون، الذي أضاء المؤلف صفحاته بانطباعات ومشاهد كشف من خلالها، ما خفي علينا نحن اللبنانيين، الذين لم نتبحر في تاريخ بلداتنا ولا في جغرافيتها الجميلة، إلا من خلال ما تسرب إلينا موجزًا في الكتب التي رافقتنا في المراحل الدراسية.
لهذا نجد من خلال الاطلاع على هذا الكتاب، أن ما قام به الأستاذ شفيق يحيى، من تبيان الحقائق لتاريخ بلدة لبنانية هي عرمون، لا يحسد عليه فقط، وإنما يشكر عليه، لأنه أصاب من خلال هذا العمل التوثيقي المهم، الهدف المرتجى القائم على ترميم مواطن الخلل في دولتنا العلية، حيث تقلبات الحياة عبر المواعيد المتمددة التي تسقط بمرور الزمن لا تطفئ الشغف الكامن في طيات القلوب، وإن لم يحسن أحدنا الإمساك بها، خصوصاً إذا ما كانت إرثا متكاملا في تواصلها مع الحاضر، الذي يحمل في طياته المستقبل المشرق، الذي يعمد بالفكر المتفاعل دوما مع المتغييرات، لهذا أراد المؤلف من كتابه “عرمون في الذاكرة والطبيعة” ومن خلال العمل على رصد المتغيرات كلها، تسليط الضوء على تقبل الإنسان لكل مستجدات العصور الحضارية ، التي تتماهى صعداً على مدى السنين، متنقلة من الحسن إلى الأحسن، عبر انتظارات الدهور وفصولها المرفوعة على زنود أبنائها بكل سحرها النهضوي البناء، الملون ارتقابات الحياة بأغمار من الدفء، والعبير، والجهد، والكفاح، والعطاء المنتج الذي يستطيبه الإنسان، حين يسترجع من ذاكرته شجون الماضي البعيد، بكل آهاته وتقلباته وانحداراته، وحتى جمالياته، حيث الوفاء في النهاية، هو الورقة الرابحة التي تلوح في الأفق البعيد، حاملة على خطوطها أبجديات المراحل المتهالكة على السير بين النقاط، من أجل ترسيم خطوط التقدم والإنماء الحضاري المتنقل من حالة مهمشة، إلى حالة تفخر بها عرمون اليوم.
هذا ما بدا واضحاً في ما بلغنا إياه المؤلف الأستاذ شفيق يحيى، في كتابه الرافل بذاكرة لم تغيب حدثاً، ولم تهمل خاطرة، ولم تتعرض لشطب ما لا يلزم، فقد حرص كاتبنا على ذكر المعلومة مستندا إلى مصدرها، وهذا من صفات الكاتب والمؤرخ الذي لا تأخذه العاطفة بل يحتكم في عمله المبدع والخلاق إلى الحقائق، التي لم يسقطها من مفكرته، رجل العلم والمعرفة والتربية الأستاذ شفيق يحيى، حين كتب منوهاً ومذكراً بطاقات أبناء بلدته المبدعين في مختلف الحقول، بحيث جعل كتابه مرجعاً لكل باحث ومؤرخ وطالب معرفة، والبوصلة التي سيعبر القارئ بواسطتها عبر كل الاتجاهات الصحيحة، التي توصله إلى تحديد الدروب المضيئة لبلدة لبنانية عريقة في تاريخها، وجميلة في طبيعتها، هي بلدته عرمون.
لقد عرفت المفتش التربوي الأستاذ شفيق يحيى، من خلال عمله في الحقل التربوي كمفتش وباحث عن الحق والحقيقة، بل عرفته مدركاً بعقله الراجح حساسية الأمكنة والأزمنة، لهذا ليس غريباً عليه الإمساك بكل الحكايات المتقلبة يميناً ويساراً وهو يطل على ذاكرة بلدته عرمون، وعلى حاضرها المتباهي بتحولات التاريخ، الذي خط بريشته هذه المشهديات المعرفية المنبسطة على مروج الطبيعة الخلابة، وحقولها الخضراء، ولوحاتها الجميلة التي تحاكي الشمس المشرقة بين دفتي الكتاب، الذي أراده الأستاذ شفيق يحيى، خزاناً ممتلئاً بالمعرفة، يعب منه كل عطشان لنجاح أو تجربة أو توجيه.
أخيراً لا بد من أن أشهد، أن الأستاذ شفيق يحيى بكتابه ” عرمون في الذاكرة والطبيعة” المنسجم انسجاماً كلياً مع جغرافية المكان وحدود الأزمنة ومساراتها المتقلبة والمتطورة، قد أدرك ككاتب باحث ومؤرخ، أنه التزم كلبناني وطني بتسليط الضوء على تاريخ بلدته عرمون عبر حكايات أبنائها المتأرجحة بين ماض جميل وحاضر بهي ومستقبل مشرق، دون أي إهمال لطبيعتها الجغرافية الجميلة، الممتلئة بفتون المشهديات الملونة بهناءات أزاهيرها المعانقة سهوبها البكر، وتلالها السمر، وكرومها القاطفة من ندى الصباحات رونقها المضمخ بالعبير وصدى السنين الحاكي، وأنه بكتابه هذا، قد قدم لكل باحث ومؤرخ وكاتب لبناني دعوة مجانية إلى مسرح الذاكرة الجماعية الجميلة لوطننا لبنان محرضا الجميع على الحرص الشديد على مكوناتها المعرشة على خطوط العمر، ودغدغدات الفصول المزهوة بنتاج بنيها المبدع، التواق دائما وأبدا إلى الأبهى والأفضل والأرقى .
أستاذ شفيق.. بورك يراعك الثر، لقد منحتني شرف المعرفة الحقيقية الناهضة من تاريخ هذه البلدة الأصيلة … ومحتد أهلها الكرام. شكرا لك.
****************
(*) كلمة ألقيت في الندوة حول كتاب “عرمون في الذاكرة والطبيعة” للمفتش التربوي الأستاذ شفيق يحيى
كلام الصورة
بلدة عرمون