إيلي مارون خليل(12)

قلتُ: إنّ كرامتي غاليةٌ جِدًّا، لكنّي أفهمُ أنّ العشقَ إخْلاصٌ تجسّد!

        فماذا أقصد!؟ ألا يُشْتَمُّ، من هذا القَولِ، تَنازُلٌ ما؟ ألا يُمكِنُ أن نجدَ، بين هاتين الفضيلتَين ـ القيمتَين، أيَّ تَناقُضٍ؟ هل من الضّرورة التّضحيةُ بالكرامة، ليُقال إنّ الإخلاصَ أكثرُ أهمّيّةً!؟ أسمى قَدْرًا!؟ ألا يُمْكِن، أبدًا، أن تُساويَ الكرامةُ الإخلاصَ، والإخلاصُ الكرامة!؟

 بَدْءًا، ما الكرامةُ؟ أهي حالةٌ، أم شُعورٌ؟ حالة جسديّة، أم شُعورٌ وِجدانيّ، أم كِلاهما معًا، وكلاهما راقٍ!؟

        ألكرامةُ أن أكونَ مُقَدَّرًا، محترَمًا، في حالة سِياديّة تامّة. فالكرامةُ حالة. وحالةٌ جسديّةٌ، هي.

والكرامةُ ألّا أشعرَ بالمَهانة. بالذّلّ. بالإهمال. فالكرامةُ شُعورٌ. وشُعورٌ وِجْدانيٌ، هو.

إذًا، فالكرامةُ حالةٌ جسديّة وشُعورٌ وِجدانيٌّ، معًا، وفي الحينِ ذاتِه. والحالةُ الجسديّة، في هذي الحال، تؤدّي بي إلى حالةٍ وِجدانيّة نفسيّة عَذبةٍ، فائقةِ العذوبةِ؛ لطيفةٍ، فائقةٍ الّلطف. وإذا أنا فَيضٌ نورانيٌّ، راقٍ، رائقٌ، سامٍ، أُحِسُّني مُحَلِّقًا، مُنْخَطِفًا، مُنجَذِبا، حاسّا شعورًا بالامتلاء، بالزّهو، بالخَدَر النّاعمِ، الّلذيذ، الحالِم، أبدًا، بالأكملِ، بالأجمل، بالأكثر ألقًا وتَألُّقًا.

وتاليًا: ما الإخلاصُ!؟

أرى أنّ الإخلاصَ قيمةٌ ـ مثال، ينهد إليه الجميعُ، بحزمٍ، بعزمٍ، بأكثر ما يستطيع المرءُ من زخمٍ. الغايةُ القُصوى هي أن أنصرفَ، ودائمًا، وكُلّيًّا، ومن دون حَيرةٍ، ولا تَردُّدٍ، إلى واحدٍ أحد: حلم، فكرة، إنسان…

وإنِ انصرفتُ إليه كما أشرتُ؟ أكونُ مَحَوتُ الآخرَ، أيَّ آخر، وأبقيتُه وحده، بكلّيّتِه، وفي كلِّ آنٍ، إلى الأبد، كما يُفتَرَضُ، لأكونَ له مُخلِصًا. فلا أُفكّر في آخر، ولا أحلم بآخر، ولا أرنو إلى آخر، ولا أَميلُ إلى آخر… إذًا ولا أُشْرِكُ معه، في حُبّه، أيَّ أحد!

فأن أكونَ مُخلِصًا، هو أن أكون وفيًّا، الوفاءَ كلَّه، مُحِبًّا الحُبَّ كلَّه، لشخصٍ، هنا هو “الحبيبُ”، غيرَ مُشرِكٍ، معه، أحدًا، ولا مرّة، وإلى الأبد!

في هذه الحالة، أكون أحترمُه الاحترامَ كلَّه، أهتمُّ به، وحده، الاهتمامَ كلَّه، أنصرفُ إليه، وحده، الانصرافَ كلَّه… أكون جعلتُه “قدّيسيَ” الأوحد، وكرّستُني له “قدّيسَه” الأوحد! بهذا أكونُ اعترفتُ، لا بحبّه فحسْبُ، بل بكرامته واحترامه ووحدانيّتِه، بل بـ”قداستِه”! هل من كرامةٍ أوفرُ من هذا، وهي أن أرفعَ “حبيبي” على مذبح الحُبّ، أُطَوِّبُهُ، اُعلِنُهُ “قدّيسًا”، لي، أوحدًا!؟

أعود إلى السّؤال بين الكرامة والإخلاص: فهل يُمكِن لـ”الحبيب” الإحساس بأنّ “حبيبَه” يطعنُه بكرامته، ويُبقيه “حبيبًا” له!؟

لا شَكّ في أنّ “الطَّعْنَ” بالكرامةِ، هو، أيضًا، وفي الوقت الواحد، “طَعْنٌ” بالإخلاص! فأن تطعنَ بكرامة “حبيبِك” يعني أنك “خنتَه”، فمِلْتَ عنه، وأهملتَه، وأشركْتَ معه، وانصرفْتَ عنه… فما أبقيتَه، في فكرك وقلبك ووِجدانك وروحِك ونفسِك، الكائنَ الأحَبَّ القِدّيسَ الأوحد!

وأنتَ، حين “تُشرِك” في حبِّك، أفلا يعني، أيضًا، وفي الوقت عينِه، أنّك “طعنتَه” بالكرامة الأغلى، كرامتِه الشّخصيّة، فآلمتَه وحطّمتَ كبرياءَه وعزّتَه وعنفوانَه… فأشعرتَه بأنّه مُهمَلٌ، وذليلٌ، ومُحَطَّمٌ، وموضوعُ تَنَدُّرٍ وهَذْرٍ وسُخْرٍ… فينطوي وينكفئ ويتوحّد… فما يخرجُ، وإن… ما يكون مرفوعَ الرّأس، باسِمًا، قويًّا، قادرًا، مُتَلألِئًا بالكِبَرِ، بالسّلام، بالطّمأنينة، بالسَّعادة، بالحرّيّة!

ولكن، يتبقّى سؤال: هل يُمكِن لي، أنا العاشق الوفيّ، أن أُضَحّي بكرامتي، لأحافظَ على إخلاصي!؟ أويجوز لي ذلك؟ ومن ناحية أخرى، هل يقبل “حبيبي” أن أتنازلَ عن كرامتي؟ أَوَيرضى بأن أكونَ، أنا “حبيبَه” كائنًا لا كرامة لي، ويُحِبُّني!؟

في هذه الحال، إن حدثتْ، فما أنا “حبيبُه”، وما هو “حبيبي”، “ولا ربينا سَوا”! على ما تقول الأغنية! الّتي… أُحِبُّ!

(ألأربعاء 13-7- 2016)

                         

 

اترك رد