مارلين سعادة
(أديبة وشاعرة- لبنان)
زُيِّنَتِ الساحةُ للاحتفالِ بالعرس، بدأ الأحبةُ يفدون، كلٌّ يحملُ هديّتَه، وعلى وجوهِهم جميعًا ابتساماتُ فرحٍ عميقٍ، وحبٍّ كبيرٍ، للعريسِ الذي اجتمعوا ليزفّوه… لم يدعْهم ينتظرونَه! سبقَهم الى الموعِد، كانَ في استقبالِهم، بادرَهم بابتسامةٍ أجمل، من وجهِه المضيءِ المشرق، فاتحًا ذراعيهِ لاحتضانِ كلٍّ منهم، على عادتِه، وفي قلبِهِ فرحٌ من نوعٍ آخر، فها هو يراهم جميعًا، في وقتٍ واحد، متّفقين متضامنين، يجمعُهم رابطٌ عجيبٌ وبديع: حبُّهم له!
قالَ الجميعُ ما لديهم… وبعد؟! هل يمكنُ أن نضيف؟! ومن أينَ نأتي بالكلامِ بعدَ كلِّ ما قيل؟! وهل نجدُ ما يعبّرُ أفضل؟! وهل يمكنُ أن يقالَ ما هو أكثرَ صدقًا وبهاء؟!
…انتهى العرس، وتفرّقَ الأحبّةُ كلٌّ في طريقِه، والعريسُ عادَ الى قاعدتِه محمّلًا بسيلٍ جارفٍ من الكلماتِ المُحبّة. عادَ النبعُ الى جرودِه، حيث يحتضنُ نزيفَ الغيومِ النقيّ، المنبعثِ من جراحِها الملتهبةِ بفعلِ سياطِ البروق المشتعلة؛ وأوشالَها الهاربةَ من زمجرةِ الرعودِ الصاخبةِ توعّدًا ووعيدا! يتلقّفُها هذا الجبلُ الأشمّ، يحتضنُها، ويعودُ ليبثَّها ماءً زلالًا مُرويًا شافيًا لكلِّ أرضٍ عطشى تغالبُ قحطَ هذا الزمن…
أمطارٌ تحوّلت في عرسِك الى مساكبِ وردٍ وفلٍّ وزنبقٍ وريحانٍ ونرجسٍ وأقحوان… نشرَت عبيرَها وتألّقَت زاهيةً بألوانِها البديعةِ وأشكالِها الفريدةِ متسابقةً لإلقاءِ التحيّة عليك، لتبثَّك حبَّها وعرفانَها بالجميل، لتكحّلَ عينيْكَ المتّقدتين أبدًا بدموعِ العاطفةِ الصادقةِ والوجدانِ الحي، يا صاحبَ البسمةِ المشعّةِ والإشراقةِ الدائمة والوجهِ المضيءِ حبًّا بلا حدود، أيُّها الجبلُ الشامخُ الأشمّ!
وحدَها قاماتُ أهلِ الفكرِ تدركُ عميقًا من أنت! لأنّكَ الصّدقُ، وهي لا تعرفُ إلّا الصدق. وحَدها قد تفيكَ من فقرِها وعوزِها النقيِّ المتنزّهِ عن آفاتِ هذا الزمنِ المرّ… لأنّك مثلُها، من جوعِكَ تشبع، ومن صدقِكَ تغتني، ومن محبّتِكَ تكفي الكثيرين…
أيُّها الجبلُ اللبنانيُّ الأشمّ، عرسُك لا ينتهي، كلَّ يومٍ لكَ في قلوبِنا أغرودةُ حبٍّ جديدة، تشبهُ دموعَ عينيْكَ بصدقِها وشفافيتِها؛ نرفعُها صلاةً أمامَ اللهِ راجينَ لكَ الصحّةَ والعمرَ المديد، لأنَّكَ حافظُ دموعِ قلوبِنا بقواريرَ ثمينةٍ، توزّعُها بسخاءٍ على العطاشِ لماءِ الحياة…
أيُّها الجبلُ اللبنانيُّ الأشمّ، جورج طرابلسي البهيُّ الطلعةِ الوديعُ القلب، عرسُك لا ينتهي، يا من تكتفي بحبِّنا زادًا يُشبعُ قلبَك!
(13- 5- 2017)