إيلي مارون خليل
(أديب وروائي وقاص وشاعر- لبنان)
أن تكونَ عاشِقًا، فأنتَ تلتزمُ الصّدقَ الحارَّ، تمتلكُ المسؤوليّةَ الواعيةَ، تمنحُ الثّقةَ الثّابتةَ، تحيا الحياةَ المُشرِقةَ، تحلُم الأحلامَ الرّاقية! فكيف تلتهبُ سؤالًا يُمزّقُك: “فهل أنتَ “غبيٌّ”، يا رجلُ، أم أنتَ “تمساحٌ”، أم إنّكَ الإخلاصُ تجسّد!؟
حين تطرح على نفسك، أنت العاشقُ الصّادقُ، سؤالًا مثلَ هذا، أو أسئلةً تدور في مَداره، يعني أنّك بدأت تحار، ليس في أمرك، إنّما في ما يُمكنُ أن تدعوَه أمْرَ “الحبيب”!
إنّ هذا السّؤال يُلمحُ إلى شَكٍّ لئيمٍ، وفير. ما يعني أنّك، و”حبيبَـ”ــك، لم تستمرّا في الإطار ذاتِه. تعرفُ، أنتَ، أنّك لا تزال صادقَ العشقِ، مسؤولًا جِدّيًّا، عن مصيره؛ واثقًا حَتْمًا، به؛ حيًّا، حقيقيًّا، منه وبه وفيه ولأجله؛ حالِمًا، أبدًا، أجملَ الأحلام، وأبعدَها رُقيًّا، لترقى بمَن تعشق، فتوحّدُه نِعمةَ حياتِك الكُبْرى!
هذا كلُّه، ويمرّ في بالك سؤالٌ بمستوى هذا، يؤكّد أنَّ جِراحَ قلبِكَ والرّوح، أخذتْ تُهَشّمُ كِيانَك في مَداره وآفاقه والأبعاد!
لستَ بالغبيِّ، أنتَ! فما تُلاحظُه عند “الحبيب”، تفكيرًا وتَصَرُّفًا، يَسوقُكَ إلى الدّقّة: ملاحظةً وتَتَبُّعًا، يُثبِتُ الشّكَّ باليَقين. ألعاشقُ الّذي هو أنت: بصدقِكَ النَّضِر، وطهارتِك النّبيلة، ومسؤوليّتِك الأصيلة، أَضحى في موقع المُهمَل. تفكّر، أنت: ألمُهمَلُ بات مُدْرَجًا في ملامح المخدوع. تأتيك هذه الفكرةُ وكأنّها هي الأفعى الأكثرُ سُمًّا وقد لَدَغَتْكَ! فيُسرِعُ إليك التّسْآلُ المُمِضُّ: هل تكرعُ السُّمَّ وحدَك!؟ فأنتَ لا تزال تحِبُّ تعفو، تُسامح! تؤمنُ بأنّ الحُبَّ صِفةُ الألوهة الأسمى! وتُدرِكُ، أنتَ، كعاشقٍ حقيقيٍّ نبيلٍ، أصيل، أنّك في منتهى الإحساسِ والنّورانيّة! فأنتَ الكائنُ الأرقى إحْساسًا! يُشيرُ إلى هذا رَهافةُ ذوقِك، ارتِباكُ عاطفتِك، رِقّةُ قلبِك، مُرورُك المُتَتابِعُ الحَنونُ على وسائط التَّواصُلِ الاجتماعيِّ، فتتيقّن: “ألحبيبُ” حاضرٌ، ومن زمان، ليل نهار. “تقتحمُ” عوالِمَه، تُرسِل إليه إشاراتٍ، ثمّ إشارات… تغصُّ، أنتَ! تجده غيرَ مُبالٍ، فلا يلتفت إليك بكلمة، ولا برسالة، ولا برمز… تَعمُرُ المَناحَةُ فيك، ولا تستطيعُ تُبادِلُ قَساوةً بقَساوةٍ، إهمالًا بإهمال، ولا تريد! تطمح إلى أن تفعل، فتكتشف عجزَك! غريبٌ أمرُهُ، “الحبيبُ” النّائي، وغريبٌ أمرُهُ، “العاشِقُ” غيرُ التَّعِبِ، لا يتخلّى، ولا يحتملُ؛ لا ينسى، ولا يريد؛ لا يهنأُ، ولا يرغبُ!..
وتعتملُ، فيكَ، عوامِلُ عديدةٌ، وأحاسيسُ متعاكِسةٌ، وصُوَرٌ متداخلة! ألغصصُ والاطمئنان، ألقلقُ والسّكينة، ألحميميّةُ والبرودة، ألغيمُ والرّيح، ألضّبابُ والنّور… وإذا “الحبيبُ” خارجك ويملأك، قصيٌّ عنك وفيك يُقيم، تحاول تنساه وإن ترفض، وتجعلُه مِثالَ وحْيِك، وإيقاعَ روحِك، ومَدارَ حياتِك، ومُثيرَ رؤاك! وأنتَ العاشقُ العفويُّ النّابضُ صدقًا، الّلاهِثُ حميميّةً، تجلسُ، وحيدًا، إلى نفسك، تتأمّلُ، تتفكّر، تقعُ من صدى الظّلمة الفتّاكِ لَهبُها، تهوّمُ عَموديًّا أُفُقيًّا لَولبيًّا لا تستطيع تهدأ أو تطمئنّ، فتنثني مسكونًا بالعصفِ، ممتلئًا بالكآبة… كأنْ تكرّسْتَ شجرةَ العشقِ المقهور!
تُهمَل، تُنسى، تشقى، تحار، تقلق، تكتئبُ، تنوصُ، تيبسُ…
لكنّك تبقى العاشقَ الصّامدَ أبدًا. فأنت تعتبر، بل تؤمنُ، بأنّ العشقَ هو هذا. تستمرّ على “الحبيب” نفسه على الرّغم ممّا قد يحدث، من كلّ ما يمكِنُ أن يحدث. ألعشقُ ثَباتٌ على رأي. ألرّأي ناتج من حُسْن اختيار. حُسْنُ الاختيارِ حاصلٌ بفضل فكر وعاطفة. وهو يكون رَصينًا. ألعاطفةُ الثّابتةُ، على “الحبيب”، والرَّصينةُ، صِدْقٌ وقدرة، صَبر وعزم. إستقرارٌ على القلق الجميل.
يا “الحبيبُ” النّائي!
كرامتي غاليةٌ جدًّا، لكنّي أفهمُ أنّ العشقَ إخلاصٌ تجسّد!
ألجمعة 8- 8- 2016