“من بعيد” لطه حسين… مواقف حول الثورة والفلسفة والدين

عن سلسلة “ذاكرة الكتابة” صدر أخيرًا كتاب “من بعيد” للدكتور طه حسين يتضمن فصولا كتبها المؤلف خلال رحلاته إلى مدن أوروبية بين taha-husein.-1jpg1923 و1930. قدم له الكاتب المصري طلعت رضوان. كان سبق أن صدر عام 1935، واليوم أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة في مصر نشره.
يتوقف عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أمام قضايا يعبّر بعضها عن المشهد المصري اليوم، ويناقش مفهوم الدولة والدستور، ثقافة رجال الدين، علاقة الدين بالفلسفة وطبيعة مجتمع ما بعد الثورات، فيلاحظ مثلا انتشار أغانٍ فكاهية ومسرح هزلي عقب ثورة 1919 وقبل كتابة دستور 1923، وكان المحافظون والحريصون “على الآداب العامة ينكرون هذا الفساد”.min-baiid.-1jpg
في كتابه يحتفي طه سين بالفنون ويخصص فصلا عن الممثلة الفرنسية سارة برنار (1844-1923) التي رحلت قبل وصوله إلى باريس بأيام، ويعتبرها “أحسن سفير نشر الدعوة الفرنسية في أقطار الأرض، وأحسن تمثيل للعقل الفرنسي والفن الفرنسي والأدب الفرنسي حتى قرنها كثير من الكتاب إلى نابليون… خدمت فرنسا ورفعت ذكرها إلى حد لم يبلغه كثير من قوادها الفاتحين.”
في فصل “شك ويقين” (كتبه 1923) يدعو طه حسين إلى فضيلة ” الترجيح” وتنزيه القرآن ورفع “الدين ونصوصه عن اضطراب العلم وتناقضه” ذلك ان ” الدين مطلق ثابت والعلم نسبي متغير”. يتساءل: “هل كتب على الإنسانية أن تشقى بالعلم والدين؟”، مطالبًا بـ “نزع السلاح من يد العلم والدين وهو سلاح تستخدمه السياسة حين تنتصر لطرف وتضطهد الطرف الآخر”… يستشهد على ذلك باضطهاد الفلاسفة في اليونان ثم اضطهاد العلماء في العصور الوسطى في أوروبا، في ظل سلطة الكنيسة التي اختلقت خصومة بين العلم والدين، وحين انتصر العقل الأوروبي بعد الثورة الفرنسية اضطهد الدين، ولقي رجاله “ضروبًا من المحن والفتن”. يرى أن الخروج من هذا المأزق هو وقوف السياسة بحياد بين العلم والدين.
يعتبر طه حسين أن المادة 149 في دستور 1923: “الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية”، كان مصدر فرقة بين المسلمين إذ استغل متشددون تلك المادة “استغلالا منكرًا في حوادث مختلفة أهمها حادثة ” الإسلام وأصول الحكم”، وحادثة كتاب “في الشعر الجاهلي”، إذ حوكم الشيخ علي عبد الرازق مؤلف الكتاب الأول عام 1925 لمعارضته فكرة الخلافة الإسلامية وقضت هيئة كبار العلماء بإخراجه من زمرتها.
أما طه حسين مؤلف كتاب “في الشعر الجاهلي” فاتهمه شيخ الأزهر عام 1926 بالإساءة إلى القرآن وأحيل إلى التحقيق أمام رئيس النيابة محمد نور الذي أمر بحفظ القضية، ولم يشكك بنية المؤلف أو دينه، وسجل في تقريره أن “للمؤلف فضلا لا ينكر في سلوكه طريقًا جديدًا للبحث، حذا فيه حذو العلماء الغربيين، لكنه لشدة تأثيره بهم قد تورط في بحثه حتى خيل إليه حقا ما ليس بحق، أو ما لايزال في حاجة إلى إثبات أنه حق”. ثم صدر الكتاب بعد تعديل بعض نصوصه وتغيير عنوانه فأصبح “في الأدب الجاهلي”.
يعلق طه حسين على مادة “الإسلام دين الدولة” في كتابه “من بعيد” فيقول: “كانت النتيجة الخطرة لهذا كله أن تكوَّن في مصر أو أخذ يتكون فيها حزب رجعي يناهض الحرية والرقي، ويتخذ الدين ورجال الدين تكئة يعتمد عليها في الوصول إلى هذه الغاية… فلم يعرف تاريخ مصر الحديث شيئا من اضطهاد حرية الرأي باسم السياسة والدين قبل صدور الدستور.”taha-hussein 2
طه حسين (1889-1973) أول مصري ينال دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية (1914)، وفي العام نفسه سافر إلى فرنسا لدراسة العلوم الاجتماعية والفلسفية، ونال دكتوراه في جامعة السوربون في الفلسفة الاجتماعية (1918) وتمحورت أطروحته حول مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون، منذ 1919 درّس التاريخ والأدب في الجامعة المصرية، وفي عام 1930 عيّن عميدًا لكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة).
(المصدر- رويترز)

اترك رد