إيلي مارون خليل
(أديب وشاعر وروائي وقاص- لبنان)
يوجِعُني أمرٌ أساس، لكنّي أحتملُه! فأنا أُحِبُّ!
أن أُحِبَّ هو أن أنصهرَ بالصّدق، بالطّهارة أستغرقُ، بالشُّفوفيّةِ أرتقي، بالأحلام أفيض!
بغير هذه، هل يكون الحُبُّ ما هو عليه في الحقيقة، أو ما ينبغي أن يكون!؟
فما هو هذا الأمرُ الأساس؟
هو أن يجعل حبيبُك أحلامَك تخبو، ثمّ تنطفئُ، ثمّ تتحوّل رمادًا هَشًّا يفنى، فتقع في النّسيان بلا ذاكرةٍ، بلا تاريخ، بلا زمان!
ألذّاكرةُ تاريخُك الحقيقيُّ، الواقعيُّ، من دون تزيين، من دون تلوين، من دون كلّ ما ليس حقيقة حقيقيّة، ثابتة، أكيدة.
والذّاكرة، الواقعيّة، هذه، ذاكرةُ الوردِ والجِراح، الهدوءِ والرّياح، الوحدةِ والانفتاح. فأيّامُ العاشقِ الأمرُ ونقيضُه. وهو يُغلّبُ السَّلْبَ، ويكاد يُلغي الإيجاب. هي “واقعيّةُ” العاشقِ!
والعاشقُ من دون تاريخ. لا يحسبُ الدّقائق، لا يعدّ الأيّام، لا يقيس السّنَوات. فإن فعل، أغرق نفسَه، والمُحيطين، في سوداويّة الكآبةِ السّاجنةِ القلوب، الفاتكةِ بالرّغبة، المُيَبّسَةِ زهرة الحُبِّ، الكالخةِ أغصان الرّجاءِ من شجرة الأحلام والأسرار.
وتاريخُ العاشقِ، بلا تاريخ. مَن لا تاريخَ له، يجعل نفسَه خارج أُطُرِ السّنوات. ما يجعله خارج دوائرِ الحِسابات، بعيدًا من الحدود والضّوابِط الّتي تُخلّع الإرادة، تُسقِمُ الرّغبةَ، تُبطِئُ الانفعال، تُقصي النّشوة المُحْيية.
ولا شكّ في أنّ العاشِقَ بلا زمان. هو، وبملء رغبتِه والوعْي، يختار الحياةَ خارج إطار الزّمان. وأيضًا؟ لا يُحِبُ يَتَكَرْتَنُ داخل إطار المكان. هكذا يترفّع، يرتفع، يحلّق، بعيدًا من أيّ مكان خارج الزّمان، كلّ الزّمان. ألماضي؟ ذاب في ضبابيّة النّسيان، وانتهى. ألحاضرُ؟ مَسْنونٌ يؤرّق، فيستبعدُه، يستطيع ذلك، بالرّغبة، بالعزم، بالقدرة، بالذّكاء، بالخيال. ألمستقبل؟ آتٍ ميزتُه الصّارخةُ أنّه لا يصل! كوعود الحبيبة! إلّا أنّ الفارقَ، هو أنّ وعودَ مَن نُحِبّ، تُزيّن الأحلامَ، تُلَوّنُها، تبهر ولا تُقنِع! فالمستقبلُ، إذًا، وهمُ سَرابٍ… محكومٌ بالامّحاءِ العاصفِ، المُدَوّي. وتنجح، ثورة العاشق، فيصل إلى الوحدة، أقصى أمنياتِه، وأكثرها روعةً، وأشدّها ذكاءً: ألتَّبَتُلُ الخارقُ!
ألسّؤالُ المُخيفُ: كيف!؟ ألا يُحِبُّك “الحبيبُ”!؟ فكيف يُطفئ أحلامَك، يجعلها تَخيبُ، يجعل نفسَك عَتِمَةً، تهبط عليها، وفيها تتفجّر، سوداويّةٌ سوداءُ شيطانيّة، وحمراءُ جحيميّة، فتُقيمُ فيها أبديّةً، لا تهتمّ بالانزلاق منها!؟
إنّه لَلسّؤالُ الّذي يُرْهِبُك! ترغبُ في ألّا تطرحَه! في ألّا تتفكّر فيه!
وإذ تفعل؟ تنتبه! تتأكّد! بدأتَ تشكّ! وأنت تعتبر، بإيمان راسخ، أنّ “الحبيبَ” الحقَّ، “مَعصومٌ”! كيف يكون “حبيبُـ”ـك، مصدرَ شَكّ لديك!؟ ترفضُ تتقبّلُ الفكرة. فأنت مقتنعٌ بـ”عصمته”!
لكنّك،
وأنت تسترجعُ الأيّامَ والأحاديث والأحلام والأمنياتِ، تقع في ما يُخيفُك: الخَيبة!
ألخيبةُ من عالم الواقع. ألجميعُ يتوقّعها، في شكلٍ ما، ظرْفٍ ما، لسببٍ ما، فلمَ تخافُها!؟
أقول: لأنّها تُفقِدُني ثقتي الكاملةَ بمَن أُحِبُّ! أمن سبب أعظم من هذا: أن يفقدَ العاشقُ ثقتَه بـ”الحبيب”!؟ لأنّه، إن كان من شخص تمنحُه الثّقةَ، الثّقةَ كلَّها، قويّة، ساطعةً، مَنيعةً، خالية من كلّ وهْمِ شكٍّ، فهو “الحبيبُ”!
أثرُ “الخَيبةِ” فيك!؟
أنتَ… ألّا تسأل! فإن سألتَ، ابتلعكَ الألمُ، الحزنُ، العبثُ… خسرتَ طبيعتَك البنّاءة، ما يجب ألّا تقع فيه. ما يعذُبُ ألّا يحصُلَ!
لكنّك!
لا تتنازل عن عنفوانِك ـ روحِك ـ مجدِ قداسة حُبّك، فتكتفي بأن تَهمِسَ، جَهْرًا، فتُسمع مَن يجب أن… : “قد أكونُ فهمتُ”! وتسكتُ!
(ألأربعاء 30- 6- 2016)