الإكراه في ولادة الجنين المُعّوَق: الحكومة الإلكترونية في لبنان

 الدكتور قاسم محمد دنش

( مهندس -لبنان)

 بين الإكراه والكراهية، حمل الآخر على ما لا يرضاه، ومشاعر انسحابية يصاحبها إشمئزاز شديد. بين كراهية أميي الإنترنت للتكنلوجيا الحديثة واللاإصلاح الإداري المستشري في القطاع العام في لبنان، جنين معَوق لن يولد حتى بعد تسعين شهراً، الحكومة الإلكترونية في لبنان.

خمسة وعشرون عاماً مضت على تصريح الرئيس الأميركي بيل كلينتون عن بداية استخدام تكنلوجيا المعلومات والإتصالات لتوفير خدمات الدولة للمواطنين،فكانت الإنطلاقة الأولى لما يعرف بالحكومة الإلكترونية E-government. استخدام الإنترنت لتقديم المعلومات والخدمات للمواطنين، هو الهدف المرجو من الحكومة الإلكترونية. وهناك أنواع مختلفة لخدمات الحكومة الإلكترونية حسب الجهة المستقبلة للخدمة، بدءاً من الحكومة للمواطنين (government to citizen)، من الحكومة إلى الشركات والمؤسسات (government to business)، ونهاية من الحكومة إلى موظفي القطاع العام(government to government).

يتحكم بالواقع الإداري في لبنان فكر تقليدي في تقديم الخدمات وفساد مستشري يكاد أن يسطر أحياناً كلمة المستحيل في إمكانية إنجاز معاملة إدارية ضمن وقت معقول، أو  من دون معقب معاملات مأجور. فللوهلة الأولى تكاد تظن بأنّ الحكومة اللبنانية تخطط في كيفية تعطيل المواطن لساعات وساعات لإنجاز معاملة، لا تحتاج إلى خمس دقائق. أو حتى تتوهم بأنّ معقبي المعاملات أنفسهم موظفين في الدوائر الحكومية، وذلك بسبب الصلاحيات المعطاة لهم من قبل موظفي هذه الدوائر.

لا تدرك الحكومة اللبنانية بأنه لم يعد هناك مجال لتعطيل المواطن عن عمله، وبالتالي التأثير سلباً في الناتج القومي اليومي، بغية إنجاز معاملات إدارية أغلبها روتينية. في حين أنّ المؤسسات والشركات التجارية في لبنان أدركت بأنّه لا يمكنها اليوم انتظار الزبون ليأتي إلى مؤسساتها، لذلك عمدت إلى التسويق الإلكتروني عبر مواقعها على الشبكة العنكبوتية، أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي. فتبيع هذه المؤسسات منتجاتها للزبائن الذين يصلهم المنتج عبر شركات الشحن والنقل الداخلي ويدفعون إما عن طريق البطاقة الإئتمانية أو لشركة النقل. 

الحكومة الإلكترونية المرجوة تهدف إلى امكانية إنجاز المواطن لجميع المعلومات الإدارية التابعة للقطاع العام عن بعد، أي من طريق الإنترنت من دون أي داعٍ للذهاب إلى الدائرة الحكومية. ولكن سؤالنا اليوم، أنه اذا باشرت الدولة اللبنانية بمشروع ما يسمى الحكومة الإلكترونية، فهل ستكون الأرض خصبة لذلك؟ 

لقد قمنا باستبيان بسيط نستطلع من خلاله آراء المواطنين حول الحكومة الإلكترونية وكيفية التعامل معها عندما تصبح نافذة. لقد بدا واضحا في نتائج الإستبيان أنَّه ما لا يقل عن 77% من المواطنين من كافة الأراضي اللبنانية، من الفئة العمرية 18-40 سنة، تعرف خدمات الحكومة الإلكترونية وأبعادها، ومستعدة للتأقلم معها.وتنقص هذه النسبة تدريجيا، وتتفاوت حسب المناطق، كلما كانت الفئة العمرية أكبر، فتصل مثلاً للفئة العمرية “64-وما فوق” إلى 7% في البقاع و 12% في الجنوب و 19% قي بيروت و 6% في الشمال و 17% في جبل لبنان. وبدا واضحا أيضاً، أنّ المواطنين يفضلون اللجوء إلى شركات تقديم الخدمات (كشركة OMT) او شركة ليبان بوست المشغل البريدي في لبنان، عوضاً عن الذهاب إلى الإدارات العامة.

المشكلة في مؤسسات القطاع العام لا تكمن في عرض الخدمات على الشبكة العنكبوتية او لا، إنما المشكلة الأساس في هندسة سيرورة العمل.

يُعرف مصطلح سيرورة العمل بسلسلة من الإجراءات أو العمليات التي تتميز بتغيرات تدريجية تقود إلى نتيجة معينة. اليوم، باتت جميع الأعمال و سيرورتها محكومة بأنظمة معلوماتية متطورة مما من شأنه زيادة فعالية الإتصال والتنسيق بين الوحدات التنظيمية إضافة إلى زيادة سرعة ودقة وسرية تبادل المعلومات والبيانات. 

وحيثُ أنّ سيرورة العمل في أغلب مؤسسات الدولة تعتبر جداً تقليدية، بالرغم من وجود أنظمة معلوماتية في أغلبها، إلا أنّ الفكر المعلوماتي والممنهج غائب ومحكوم بعقلية  بيروقراطية جدًا. نعطي مثالاً على ذلك، شخص ما يريد أن يوكل شخصًا آخر في معاملات الضمان الإجتماعي، فما عليه إلا أن يتقدم بطلب لدى سكرتيرة مدير الفرع مرفقاً بما يسمى “إفادة خدمة”. التي تعطى من الفرع نفسه. فإذا كانت المعلومات المطلوبة موجودة أصلاً في نفس الدائرة الحكومية ونفس المكان الجغرافي، لماذا يتفرغ موظف على الأقل لطباعة هذا المستند؟

يَلزمُ على جنيننا المُعَوَّق معالجته قبل أن يولد ميتاً، في حين أنه يعالج بطبيب يعيد هندسة الأعمال في القطاع العام وإنشاء مركز لتجميع جميع البيانات المتعلقة بالمواطنين. بعد هذه المعالجة، يلزم تثقيف المواطنين في كيفية الحصول على خدماتهم من الدائرة الحومية عبر الشبكة العنكبوتية.

لا بد اليوم من الركوب في سفينة تكنلوجيا المعلومات تسهيلاً لحياة المواطنين، ولكن لا بد من الإبحار بأمان في بحر الحكومة الإلكترونية بإعادة هندسة الأعمال Business Process Re-engineering.

 

اترك رد