إيلي مارون خليل
(أديب وشاعر وروائي وقاص- لبنان)
لا أستطيع أن أنام، أم لا أريد!؟
ألواقع أنّ الأمرَين معًا، بي يتحكّمان!
أعجز عن النّوم، أنا، لأنّني لا أستطيع أمنع نفسي من التّفكير فيها. تفكير؟ يُداني الحلم! وإذ بي أمزجهما فيختلط الأمرُ عليّ، وأفشل في التّمييز. تفكيري فيها مِثاليٌّ، أجزم: حبيبتي كاملة! وأَحلُم… فإذا هي، بالنّسبة إليّ، مِثالُ الكَمال!
بعدئذٍ: كيف يمكن لي أن أجذب النّومَ إليّ، هو باعثُ السّكينة فيّ، والطّمأنينة، فالسّعادة، فإذا بي حُرٌّ كنسيم، وادعٌ كبنفسجة، شامِخٌ كصوت جرس قريتي، مُحِبّ كنبعِها الفوّار، ثابتٌ كأرزة، واثقٌ كالزّمان! لكنّي، بكوني لا أستطيع نومًا هانئًا، هادئًا، مُنعِشًا، أنقلب سجينًا كشرنقة، هائجًا كعاصفةٍ، مُنحنيًا كمُنكسِر، قلقًا كعصفورٍ يطارده صيّاد، مُخَلَّعًا كحلم عاشق غُدِر به، خائرًا كعشبةٍ في خريف!
يا ألله!
إنّ النّاسَ الأكثر روعةً، في الأرض، والأهمَّهم قداسةً، والأشدَّهم طيبةً، هم الّذين يعرفون الحُبّ العظيم! ما من حُبّ عظيم، لا يصل إليه عاشقٌ عظيم! وما من عاشقٍ عظيم، إلّا عرف الحُبَّ العظيم! كلاهما يستمدّ روعتَه وقداستَه وطيبتَه من الآخر. ألعاشقُ، الرّائعُ، القدّيسُ، الطّيّبُ، عظيمٌ، هو، في مملكة الحُبّ، يستحقُّ هذا الحُبَّ. والحبُّ الرّائعُ مؤدٍّ إلى القداسة والطّيبة، يستأهلُه عاشقٌ هذه صفاتُه.
لا شكّ، يا ألله، أنّ حبيبتي أروعُ، أقدسُ، أطيبُ، لذلك يسكنُها الحُبُّ الأعظم! وبما أنّها حبيبتي، وهذه صِفاتُها، فقد رَفَعَتْني إليها. جبلتْني بالرّوعة منها، بالقداسة، بالطّيبة، نفختْ فيّ روحًا من روحِها، أحْيَتْني نابضًا مثل القلب، منتبهًا مثل ملاكٍ حارِسٍ، مسْتَعِدًّا مثل الأمّ السّاهرة، رائقًا مثل عذوبة الله…
أيّها النّاسُ الأروع، الأقدسُ، الأطْيبُ! فكيف أقدر على النّوم؟
ولأنّها، حبيبتي، هكذا، هل أريدُ أنام؟
طبْعًا، لا!
فأنا أتمنّى يتسنّى لي وقتٌ وفيرٌ لأرتقي بها وأعظّمَها، وأُقدِّرَها وأحترمَها وأُكرّمَها، لأتفوّقَ في حُبّها، مِقْدارَ ما يليق بها. وبدل النّومِ، وفيه كَسَلٌ، أطلبُ، يا أللهُ، أن تُضاعِفَ ما تستحقّ حبيبتي، وحيدتي، نعمتي، من روعة حُبٍّ وقداسته وطيبَتِه!
أتقلّب، أنا، وأُغمِضُ عينيّ، فلا أرى إلّا الحبيبةَ مُسترخية كأنّها مُسترسِلةٌ أحلامًا تُهندِسُها، تَصقلُها، تلَوّنها، تُشعلُها، تَشُبُّ النّارُ منها، تصهرني، تُذيبُني…
أفكّر فيها، أتمنّاها، أشتهيها، أغمرها، أشمّها، أذوقها، أُقبّلها، أُشعلها، تشبُّ النّار فيها، أصهرها، أُذيبها…
أتخيّلُها كيف تفكّرُ فيّ، كيف تراني، ماذا ترى فيّ، ماذ تريد منّي، ماذا تحلمُ بي، لأنّي عصيّ، ليس لأحد أن يُجَنّ، أو يتوقع منّي.
لا أظنُّها تستطيع تنام. لا أحسبها تريدُ تنام. إذ كيف يُعقَلُ أن… وكيف يمكِن أن…
يا ألله! يا ألله!
وتعرف، أنت، روعةَ علاقتِنا، وقداستَها، وطيبَها، ونقاءَها، وطهارتَها!
فكيف تقبل، يا أللهُ، كيف تسمح، كيف تغضّ الطّرْفَ!؟
لمَ لا تدفع الحسدَ، الحِقْدَ، البغضَ، الخبث، النّميمة، الشّرَّ بالمُطلَق، عنّا!؟ ألا نستأهلُ، برأيِكَ، سعادةَ الحُبِّ الرّائع، وقداستَه، وطيبتَه!؟
ندفع عنّا، نحن، ما نقدر أن ندفعَه، نُبعِدَه، لكنّه سريعًا ما يعود، على شكل تمساحٍ، على هيئة أفعى، يعود، ويعود على أيّ شكلٍ وهيئةٍ، يدُسّ السُّمَّ، الألم، الغربةَ، البُعْد، الفِرْقةَ… فنغرق في جحيم من الفكر والأحلام!…
فكيف أستطيع أغفو!؟ وكيف أكون أريد أغفو!؟ يا ألله!؟
ألثّلاثاء 28- 6-2016