كوميديا تعزف على وتر العلاقات الزوجية
كلود أبو شقرا
في أجواء مستوحاة من ستينيات القرن الماضي، وضمن إطار العلاقات الزوجية بواقعيتها ومن دون «روتوش»، تدور أحداث مسرحية «بتقتل» للمخرج اللبناني جو قديح، وتتمحور حول زوجين فريد (طلال الجردي) وليلى (برناديت حديب)، يبحثان في لاوعيهما عما يدفعهما إلى البقاء معاً.
فكرة «بتقتل»، مستوحاة من مسرحية «مجنون»، للكاتب البلجيكي إريك شميت، ترجمتها ماري كريستين طيّاح، وكتبها جو قديح وأخرجها، أرادها كوميدية تعزف على الوتر النفسي في العلاقة بين الزوج وزوجته، بكل ما يحمل ذلك من ترابط وتفكك في علاقتهما على مدى أعوام ارتباطهما ببعضهما البعض.
ديكور واحد ومشهد واحد، وممثلان اثنان، مع ذلك تتنوّع المشاهد وتتداخل وتتباعد وفق الحوار بينهما، وتبدو الحركة سيدة المسرح يديرها فريد وليلى وفق محطات الحوار بينهما، وتؤدي فيها الأبواب دوراً رئيساً، فهي تُفتح بين حين وآخر على أفق جديد أو حدث قد يضيء ناحية معينة في علاقتهما كانت غامضة.
قبل هذه المسرحية أخرج جو قديح مسرحية «غرام وانتقام» المتمحورة بدورها حول العلاقات الثنائية، لكنه يختلف في «بتقتل» في الطرح، فهو يصوّر العلاقات الزوجية من منظار آخر. صحيح أنه اقتبس الفكرة من الكاتب البلجيكي إيمانويل شميت، لكنه أضفى عليها طابعاً مستمداً من البيئة اللبنانية إنما بأسلوب لا يخلو من جرأة الطرح والمعالجة، اعتاد المشاهد رؤيتها في مسرح قديح.
سيطرة الممثل
تدور القصة حول فريد الذي يفقد ذاكرته من جراء ضربة يتلقاها على رأسه من زوجته، وبعد قضاء خمسة عشر يوماً في المستشفى، تصطحبه زوجته إلى المنزل ليبدأ فور عودتهما تكاذب بينهما يحاول فيه كل طرف أن يبرر أفعاله، وأن يصور الشريك بالصورة التي يريدها هو. هنا تبرز مقدرة برناديت حديب وطلال الجردي في جذبهما انتباه الجمهور بسيطرتهما على اللعبة المسرحية، وتوظيفهما العناصر التي يتألف منها الديكور بشكل باتت معه مكملة للحوار وللمشهدية القائمة على إدخال المشاهد في هذه اللعبة، بحيث يرى فيها بعضاً من ملامح قريبة أو بعيدة تواجهه في حياته، وهنا تكمن أهمية هذه المسرحية في إقناع المشاهد بشخصية ليلى وليس بشخصية برناديت حديب، وبشخصية فريد وليس بشخصية طلال الجردي.
قد تكون المسرحية موضوعة في إطار زمني محدد يعود إلى ستينيات القرن الماضي، لكن طبيعة العلاقات بين البشر لا سيما بين الزوجين هي هي في كل زمان ومكان. من هنا أراد جو قديح في «بتقتل» أن يقارب هذه العلاقة بعيداً عما يسمى عادات وتقاليد، وإبرازها كما هي بحقيقتها المرة.
فريد وليلى، زوجان على المسرح يتصارحان، يتبادلان التهم، يحاولان لملمة شتات علاقتهما، ومع كل فتحة باب وخروج ليلى ودخولها ترتسم بداية جديدة في علاقتهما، ويدور حوار في العمق، لا يوفر أحدهما الآخر، فيكتشف الجمهور أن فريداً كان يكذب على ليلى وأنه اختبأ وراء فقدان الذاكرة ليعرف حقيقة مشاعر زوجته تجاهه، وهي بدورها تكذب عليه وتصوّره غير ما كان عليه معتقدة أنها بهذه الطريقة قد تتذرع بحجج لتبرّر ضربه على رأسه.
وبعد طول عناء، وبعد حل وترحال، وبعد حمل حقيبة المغادرة أكثر من مرة، وبعد جدال طويل توزّعت فيه لعبة الربح والخسارة بينهما، يلتقي الزوجان على قاسم مشترك هو التسامح ويقرران إكمال سنوات عمرهما مع بعضهما البعض.
أطر مختلفة
اللافت أن خط الغوص في العلاقات بين الناس الذي اعتمده جو قديح في «غرام وانتقام» وأدت فيه برناديت حديب دوراً محورياً، قرر استكماله في مسرحيته الجديدة «بتقتل»، إنما بأوجه مختلفة وطرح جديد، ونجح في رسم إطار يختلف بين المسرحيتين، وإن كان القاسم المشترك الوحيد هو الإشكاليات النفسية التي تسيّر العلاقات وتتحكّم بمسيرتها سلباً وإيجاباً.
تعرض مسرحية «بتقتل» على خشبة مسرح الجميزة في بيروت. إلى الممثلين برناديت حديب وطلال الجردي، يتألف فريق العمل من ماري كريستين طيّاح، مساعدة المخرج، وصولانج تراك مديرة الإنتاج. تصميم اللوحات الراقصة مازن كيوان، وإضاءة جايمس شهاب.
*****
(*) جريدة الجريدة