“قد تكون الحياة التي تحلم بها مخبأة في قلب الحياة التي تعيشها”، الحكمة الأولى في كتاب “من جنى التجارب” تختصر الألف حكمة وحكمتين التي دونها الأب كميل مبارك (رئيس جامعة الحكمة) من كنوز التجارب التي تجعل مرارة الزمن تحلو كما العنب المتمرد على الشمس فيزداد إشراقة كلما ازداد وهجها، ويتأقلم مع العتمة في خوابي السنين ليرطب الحياة بألوان من سعادة زائفة حيناً وحقيقية حيناً آخر من دون أن يفقد لذة طعمه في كلا الحالين.
حكم في: الله، الأحلام، الإطراء، الأيام، الالتزام، الانفعال، الأب، الأم، الأمّة، الإنسان، الإيمان، التاريخ، الثورة، الحبّ، الحاكم، الحكم، الحرب، الحزن، الحياة، الحكمة، الخير، الزمن، السكوت، الشعب، الظلم، الطفل، العدالة، العطاء، العمر، العلاقات، الفضائل، القداسة، القلب، القاضي، المعرفة، الكلمة، الكذب، القناعة، الموت، الناس، النظر، الوجود، المال، الملوك… تنمو وتزهر في حدائق الأيام وتتحول إلى فلسفة شعبية تنبض بتراكم التجارب وتختصر الطريق إلى السلام مع الذات ومع الآخرين.
في أزمنة المحل والاضطراب والقهر وفي طوفان الدمع والدم، لا بد من فتح خزانة الأيام والبحث عن “كلمة” أو “فكرة”، تطرد الخوف والهموم وتمحو آثار الآلام وتبلسم الحاضر وتدلّ على طريق السعادة، لمن يعرف كيف يقرأ بين سطورها ويعيش قيمها متلمساً صداها في قلبه وفي عقله.
غاص الأب كميل مبارك في المخزون الثقافي الذي “تراكم عبر آلاف السنين ليأتينا بتجربة الناس بسطائهم ومفكريهم أمثالا وحكماً هي زبدة مخض الزمن المعيش، تأتي من الأرض حيناً حقلا وزراعة ومن العلاقات البشرية أحياناً أخرى، صداقة ومعاملة وتربية، ومن المهن والحرف والطبيعة والفصول والبحار والكواكب والطيور ووحوش البرّ، وكأني في كل ما أقرأ وقرأت، أمام مختبر الأيام تزيد على ما نعرفه، معارف لا يمكن أن نجدها في مدرسة أو جامعة. إنه العمر الذي يأخذ يوماً ليعطيك معرفة”، كما جاء في مقدمة الكتاب.
“لو كان للتعاسة دخانها لحجب بكثافته رؤية السماء”، “مهما اتسع العالم كثيرون لا يجدون لهم مكاناً”، “يحتاج الإنسان إلى الإنسان ليعرف حقيقة ذاته”. “إذا أمطرت الدنيا دموعاً تفتحت أزهارالأحزان”… وحكم أخرى تحول دون أن يستهلك الزمان الإنسان أو العكس، دون الاستهانة بالكرامات، دون غلبة اليأس، وتقي من الضياع في متاهات الدنيا وفي غربة المصالح وتعقيدات العقول المحدودة والنفوس العمياء بالمادة… وتنادي بالمعرفة التي تشبه البحر الذي يبتلع الأنهار ويبقى بحراً.
هذه الحكم هي عبور وانفتاح ومحبة وأخوّة، اخترقت جدار الضوضاء الفارغة التي تضج بها الحياة وفتحت باباً للتفاهم في قلب الوطن والمجتمع وللحوار القائم على العدالة والعدل والخير العام، وتعكس حركة الفرد والمجتمع الدائمة نحو الكمال الذي يقتضي التغيير والتطوير وعدم الاستسلام للواقع والتعامي عن الحطأ…
أخيراً تعزز هذه الحكم حقائق ضاعت ربما في غمرة الحياة العملية وعجلة الزمان التي تدور بسرعة فائقة منها: قيمة الشخص بحاله وليس بماله، والسلطة والقوانين مسؤولة عن وضع سبل صحيحة للتعاطي مع الغير على أساس عزة النفس والكرامة…
باختصار الحكم في الكتاب تعني الروح، منها انبثقت لتحلق بعيدأً عن واقع سرق من الإنسان إنسانيته، وسكن الفرح الحكايات بعد سيطرة الطمع والأنانية على العلاقات وحلّ الضحك المصطنع مكان الابتسامة الحقيقية…