النَّوْرَس! 

 مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(أديب وشاعر وروائي  وناقد- لبنان)

(ويَقتُلُونَ “النَّوْرَسَ” المُسالِمَ تَكفِيرًا عَن فَشَلِهِم وتَقصِيرِهِم؛ وهَل فَشَلٌ أَوقَحُ مِن قَتْلِ الجَمال…)

حَمَلتُ هَمِّي، مُذ أَطَلَّ الصَّباح،    وسِرتُ في الدَّربِ مَهِيضَ الجَناحْ،

أَنهَدُّ في دُوَّامَةٍ، أَثقَلَتْ،            صَدرِي، وأَذكَتْ في إِهابِي الجِراحْ،

تَطوِي لَيالِيَّ على وَحشَةٍ،           وتَقصِفُ العُمرَ، كَقَصفِ الأَقاحْ

ومِلتُ لِلشَّاطِىءِ في زَحْمَةٍ                 لِلخَلْقِ يَعدُونَ إِلى كُلِّ ناحْ

كُلٌّ إِلى بُغيَتِهِ لاهِثٌ،             يا لَيتَ شِعرِي، هَل تُرَى مِن فَلاحْ؟!

ومَرَّ فَوقَ الماءِ، في زَهْوِهِ،             سِربٌ مِنَ الطَّيرِ، كَغِيْدٍ مِلاحْ،

طِلْقٌ، بَهِيٌّ كَشُعاعِ الضُّحَى،            أَبيَضُ كَالسَّلسالِ تَغشاهُ راحْ

يَتلُو صَلاةَ البَدْعِ مِن خالِقٍ،              في جَلَدٍ صافٍ، وَزُرْقٍ فِساحْ

تَحلُو على المائِجِ أَسرابُهُ،              كما على الحَسناءِ يَحلُو الوِشاحْ

يَبُوحُ لِلبَحرِ بِنَجوَى السَّما،                فَيَهزَجُ المَوجُ، وتَشدُو الرِّياحْ…

وأَطلَقَ الغاوُونَ، في ظُلمِهِم،             على الجَناحِ الحُرِّ نارَ السِّلاحْ

قالُوا: هو الباغِي على أَرضِنا.             وباتَ في أَعيُنِهِم مُستَباحْ

هُم وَزَّعُوا أَسقاطَهُم حَيثُما                زَغرَدَ مَوْجٌ، ورِمالٌ صِباحْ

فَدَنَّسُوا الحُسنَ على شَاطِئٍ،              وأَخضَرٍ رَقَّشَ تِلكَ البِطاحْ

فَمَن أَباحَ القَتلَ يا طائِرِي،             يا فَرحَةَ الشَّاطِئِ، قُلْ مَن أَباحْ؟!

مَن قَد رَآكَ اليَومَ كَبْشَ الفِدا،           مَن شاءَكَ اليَومَ سَمِينَ الأَضاحْ؟!

يا أَبيَضَ الأَجواءِ، يا سابِحًا            على ذِراعِ الغَيمِ، والصُّبْحُ ضاحْ

تَملَأُ بِالأَنغامِ أُذْنَ الفَضا،              وتَزرَعُ البَهجَةَ عُرْضَ النَّواحْ

أَنتَ سَتَبقَى شَوقَنا لِلسَّنا،          ولَو دَها ضَعْفَكَ مِنهُم جِماحْ

تَبقَى شِعارَ الحُسنِ زانَ المَدَى،        كَبَسمَةِ الحُبِّ، كَفَجرٍ لَياحْ

وهُم سَيَبقَوْنَ كَوَشْمٍ على                خاصِرَةِ العارِ، كَجَوْرِ الرِّماحْ

يا نَورَسَ السِّحْرِ أَلا غُضَّ عن          قَومٍ أَدانُوكَ ولا مِن جُناحْ!

يا طَيْرُ فَلنَهرُبْ إِلى شاطِئٍ              ناءٍ عَنِ القَتلِ، عَنِ المُستَباحْ

ولنَتَكاشَفْ في هُمُومٍ لَنا،                في شَغَفِ النَّفسِ إِذا القَلبُ صاحْ

قُلْ لِي، أَرِحْ رُوحِي فَبَلبالُها              مُرٌّ، وحَدِّثنِي بِقَولٍ صُراحْ

مَن لِي سِواكَ اليَومَ في غُربَتِي،          وَمَلَّ قَلبِي مَكْرَهُم والتَّلاحْ؟!

يا طَيرُ هَل أَضناكَ هَمُّ الدُّنَى؟!      يا طَيرُ قُل لِي هَل خَبَرتَ النُّواحْ؟!

هَل ضامَكَ الأَهلُ، وهَل ضاقَ عَن    رُوحِكَ ذَيَّاكَ الفَضاءُ المُباحْ؟!

هَل عُدتَ، والمَغرِبَ، في خَيبَةٍ      مِمَّا أَمَضَّ القَلبَ في كُلِّ ساحْ؟!

يا طَيرُ، لَو لي، كُنتُ، في نَشوَةٍ،       جِئتُكَ، والقَلبُ رَخِيمُ الصُّداحْ،

وعِفتُ أَرضِي، تارِكًا فَوقَها،           كُلَّ مَتاعِي، وهُمُومَ الكِفاحْ؟!

يا طائِرَ النَّورَسِ كَم شاقَنِي       لَو كُنتُ في سِربِكَ هذا الصَّباحْ!

 

اترك رد