Pontifex Maximus

 د. سرجون كرم

(أديب وشاعر- لبنان)

اليوم مات…
ألقى عدّة الأرض جانباً..
خلع أصابعه من يديه
وأطفأ بها شمعةً في الرمل
وأضاء
في شرقه الأعظم.
لم ألد لغتي ولم أتبنّ ما غزلت
ولكنّني ولدت اسمي
على شجيرة المرصاد.
ما اخترت ُ نفسي ولكنّني
اخترتُ روحي
من محلّ الحياكة المجاور
في الذهاب والإياب.
اليوم مات…
ونفض إظفره مثل رصاصة تقشر ظهر الهواء
مثل طفل يقشر موزة…
مثل فتاة تقشر رمّانةً في المنام
قبل أن تصحو
وإذ نهدها يشتعل في العراء.

*****

يجتاز صباحا عتبة بيتي على مضضٍ،
صاحبي…الساكنُ عندي زاويةَ القيامه.
يشبك مسبحةً حول أصابعه،
يتقمّص شكلاً مزاجيّاً حين يظهرُ
كي لا يُلقي السلاما…
يدّعي أنّ موعده عاجلٌ…:
أمّة في الأرض اغتصبت أختاً لها
الصحراء افترست ربّها
الجمال وراثيّاً عدّلت جنسها.

في ملعب مدرسة ابتدائيّة تسأل طفلة:
كم من الوقت بعد ليأتي أبي
الجالس بين رجال لا أعرفهم
كي ألعب في هاتفه لعبة:
“كم يحتاج الوطن العربيّ إلى صندوق قمامه….
يتلو فيه صلاة الندامه…?”.

*****

متى يستحي الناسُ من الناس?
كما أستحي من امرأةٍ جدلتني في شعرها
وادّعت أنّي جبانٌ…وغابت
كوني أخاف من الحرب
لأنّي أريد أن أعيش سعيداً…
لأنّي أريد أن أعيش طويلاً.
لا شعر في كتبي يحميني من المألوف في بني قومي
وهم يعبرون البحر جثثاً
رافعين قميص عثمان قبل وقوع الجريمة…
رافعين أطفالهم ملوّثين بالدمع والمطر.
أعدّ مائةً من حبوب الماء
وأكتشف أنّ اسم الله الأعظم هو “الوسيلة”.
لو قُدّر لي أن أغيّر قواعد الألوهة في لعبة “الموت والأمل”
لما وقفتُ هنا…
أنتظر شيئاً ما يسبح عنّي في المحيط…
يقال إنه نخلةٌ
رأتها امرأة صوفيّة تنمو في المنام
وادّعت أنّها أنا.

*****

لا تموتي قبل أن تنتهي الحربُ…
حتّى أقول أني هزمتها بك
وأبتسم في سرّي
لأني أعرف أنّك تشعرين بي.
لي امرأةٌ أحبّها
ولكنّي أقاسمك الأرض عكازةً
نحلج بها أمنيات الميّتين حبال سكّرٍ
نبيعها للأبرياء والمجرمين في أسواق العيد
ونوزّعها بالمجان على المتسولين في طرقات الأبديّة.
وحدك تعرفين أني سأعود في قارب مطاطيّ لاجئاً إلى بلادي
طالما جسدك يرشح شعراً.
هل تعرفين…
لولاي لما أفرغت زيتك في منارةٍ
لولاك لما صُنعت هذه الحرب لي.
كم أحبّ هذه الحرب…
لولاها لما اكتمل وجهي.

*****

حياتي تشبهني جداً
دلفينٌ يفرشُ جسده نهراً
ويقول للعربيّ على الضفّة حيث يغسلُ البرابرة رؤوسَ ذكورتهم:
„زنوبيا ولدتني حين كان أبوكَ يئِد نسلك“
يقول للعربيّ المتّكئ على صحراء التداعي:
„لا جِمالَ عندي قبل أنْ ينقلِبَ ربُّكَ على سيّده، زوج أمِّك – أبي“.
حياتي تشبهني جداً…
كاهنٌ يعلّم الأنبياء الوحيَ والسحرَ في معبدٍ.
يقولُ للعربيّ المنتصب في الزاوية التي تركتها الشمسُ:
„أنا الآراميُّ إيّاك مرّة أخرى منّي أن تقترب“.

*****

يجاملني أصدقائي الذين تخلّوا عنّي في منتصف طريق.
حين يصادفونني
يعانقونني مثل فراشة تقبض على لقاح.

لا شيء يغرس الإنسان كدبّوس في قلق الإنسان سوى السلطة.


++++++++++
على باب كاتدرائيّة وقف قاتلٌ مأجورٌ يقيس هامته
حين اتصلت به زوجتُه هاتفيّاً
وحيّته عاهرةٌ
كان في الماضي يزورُها.

++++++++++
أصدقائي يضطربون حين أقول لهم إنّي أحبّهم…
لأنّهم يعرفون
أنّي سأقتلهم يوما ما.


++++++++++

لم أرَ أباً حنوناً في قصيدة
الا في خربشات تحت ورقة النعوة
ولا أمّاً اصطناعيّة رأيتُ…
وكأنّما القصيدةُ العربيّةُ ترسم عشيرةَ الشاعر
حسبَ هواه.

*****

اترك رد