مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(أديب وشاعر وقاص وناقد- لبنان)
(لِمُناسَبَةِ رَحِيلِ الصَّدِيقِ، الكاتَبِ الأَلمَعِيِّ أَنطوان أَبُو رَحْل )
قالُوا رَحَلْ! وتَسَمَّرَت فِيهِ المُقَلْ، رَجُلٌ تَنامَت فِيهِ أَشذاءُ الخِلَلِ
هو صاحِبٌ، إِن جِئتَ تَبغِي صاحِبًا، ومُبادِرٌ ما راعَهُ الأَمرُ الجَلَلْ
ومُرافِقٌ في الدَّربِ إِمَّا احتَجتَهُ، حُرٌّ صَدُوقٌ لا يُساوِرُهُ المَلَلْ
هو بَينَ أَقلامٍ تَصُولُ بِساحِنا قَلَمٌ مِن الأَلماسِ ما عَرَفَ الزَّلَلْ
مَلَكَ البَيانَ، فَكُلُّ بَدْعٍ خَطَّهُ وَشْيُ الرَّبِيعِ، يَمُوجُ في أَبهَى الحُلَلْ
لَن يُنتَسَى وسُطُورُهُ نُورٌ، وفي صُوَرٍ أَتَى نُجْلُ اللِّحاظِ على كَحَلْ!
***
غَدَرَت بِكَ الأَسقامُ، كانَت ظُلمَةً غَشِيَت صَباحًا في طَلاوَتِهِ الأَمَلْ
فَتَرَكتَ رَهْنَ الحُزنِ فِلذاتٍ(1) على جَمرِ الغِيابِ عُيُونُهُنَّ إِلى وَشَلْ
آﭭـا(2)… وهَل يَأوِي الحُبُورُ فُؤَادَها، بَعدَ الرَّحِيلِ، وغابَ مَن كانَ الجَذَلْ
والمَنزِلُ الخاوِي على أَركانِهِ داجٍ يُسائِلُ عَن مُسامِرِهِ الرَّجُلْ
لَو تُصبِحُ الآمالُ أَفعالًا لَما رَفَعُوكَ إِلَّا فَوقَ أَنفاسِ القُبَلْ!
***
يا صاحِبِي، وعَرَفتُ فِيكَ مُبَرِّزًا جالَت يَراعَتُهُ فَكانَت في الأُوَلْ
سِرنا مَعًا، حَتَّى ولَو لِمَسافَةٍ دَقَّت، وأَيَّامٍ تَقَضَّت في عَجَلْ
فَوَجَدتُ فِيكَ مِنَ الصَّداقَةِ صَفْوَها، ومِنَ الشَّمائِلِ ما سَما حَتَّى زُحَلْ
فَبَكَيتُ حِينَ أَتَى النَّعِيُّ وقالَ لِي: ذَهَبَ الصَّدِيقُ. فَلَيتَ ما حانَ الأَجَلْ
***
يا إِلْفُ قُلْ لِي: كَيفَ بَعدَ فِراقِنا نَرجُو اللِّقاءَ ولَيسَ مِن غَيْبٍ قَفَلْ؟!
أَينَ “الغُصُونُ الوارِفاتُ”(3) تَرَكتَها، وثِمارُها تَبكِي على خُلٍّ أَفَلْ
وسُطُورُها بَهِتَت، وجَفَّ بَرِيقُها، فَسَوادُها مِن دَفْقِ عَبْرَتِهِ نَصَلْ
سَنَعُودُ، في الذِّكرَى، إِلَيكَ وكُلُّنا شَوقٌ، وجَمْرُ الدَّمعِ يَجتاحُ المُقَلْ
الله! كَم مِن وَحشَةٍ سَتَرُودُنا، ومَرارَةٍ، في الدَّربِ بَعد “أَبِي رَحَلْ”!
****
(1): بَناتُ الرَّاحِل
(2): زَوجَةُ الفَقِيد
(3): كِتابٌ جامِعٌ مِن مُؤَلَّفاتِ الرَّاحِل