نَدى نعمه بجّاني
(شاعرة- لبنان)
صَباحُكَ البَنَفْسَجِيُّ يَغْتَرِفُ مِنْ كَأْسٍ ذاهِبَةٍ إِلى مَوْعِدِها،
صَباحُكَ البَنَفْسَجِيُّ يَزْدَهي بِرائِحَةٍ مَجْهولَةِ المَصْدَرْ،
يَرْتَدي خُيوطَ الظِّلالِ، وَابْيِضاضَ الثَّلْجِ،
وَهُوَ انْعِكاسُ الشَّمْسِ العَسْجَدِيُّ،
قَدْ أَمْسى في ثَنايا اللَّيْلِ وَأَقْمَرْ..
صَباحُكَ ماضٍ بِغِوى النَّفْسِ،
بِعِطْرٍ مُفْعَمٍ بِطابَعِ أَزاهيرِ الوِدادِ،
يَجُرُّ ذُيولَ البَدْرِ وَالنّورَ مِنْها،
يُخْبِرُ العَصافيرَ المُتَهامِسَةَ فَوْقَ غُصْنٍ مُبَلَّلْ،
وَيَجْمَعُ العَصافيرَ الأُخْرى، يَحْني أَضْلُعَها،
يَصْنَعُ مِنْ فُتاتِ قَلْبِهِ خُبْزَها..
يَحْمِلُ مِخَدّاتِ الوَرْدِ، وَعُشّاقَ الخُزامى،
وَكُلَّ وَجْهٍ تَضاوَعَ في مِرْآةِ الفَجْرِ،
يُقْنِعُ الجَميعَ بِأَنَّهُ الأَجْمَلْ،
وَأَنّهُ شَلاّلُ ضَوْءٍ يَهْوي عَلى خُدودِ القَمْحِ،
في مَوْعِدٍ تَباهَتْ بِهِ سُنْبُلاتُ البَيْدَرْ..
صَباحُكَ البَنَفْسَجِيُّ تَمَدَّدَ في قَلْبِ الأَرْضِ،
وَعَلى أَكْتافِ الرّيحِ أَرْخى سِتْرًا مِنَ الوَجْدِ تَناقَلَتْهُ الطَّيْرُ،
صَباحُكَ كَشَرْنَقَةٍ يَشْتَهي حَضْنَها البَرْقُ،
أَوْ فاهٌ تَفاوَحَ، وَأَهْدى الزَّهْرَ طَعْمَ السُّكَّرْ،
أَهْدى الشَّوْقَ وَالعِشْقَ، وَتَجَرَّعَ البِحارَ الزُّرْقَ،
وَحَبَكَ مِنْ شَقْشَقَةِ الشِّفاهِ أَلْفاظَ غَزَلٍ،
فَصارَ الخَريفُ رَبيعًا، وَالشِّتاءُ أَثْمَرْ،
وَتَوَقَّفَ الزَّمَنُ في اسْتِراحَةِ عِشْقٍ لا يُحَظَّرْ..
صَباحُكَ تَراءَى في بَوْحِ العُيونِ جَدائِلَ،
وَعَلى صَدْرِ الحِسانِ تَبَخْتَرْ،
فَإِنْ بِرَحيقِ إِشْراقِهِ يَثْمَلُ الخَلْقُ
فَفي هَذَيانِ لَيْلِهِ يُحَمْحِمُ الشَّوْقُ،
وَفي حُلَلِ غُروبِهِ يَتَخَضَّبُ الأُفُقُ،
وَإِنْ قَلَّدَتْهُ الأَنْجُمُ سَنا تيجانِها،
تَراهُ قَدْ خَرَجَ بِهالاتِ حُبٍّ حَكى الحُبُّ عَنْها،
وَالْتَفَّ بِحُسْنٍ شَفيفٍ حَبا في فَيْئِهِ الصَّبْوُ،
وَغابَ بَيْنَ الخَمائِلِ وَالكَوْثَرْ..
فَيا أَيُّها الصَّباحُ الطّائِفُ في عُمْقي زَمَنًا رَفيقًا،
تَمُدُّ لَيْلِيَ مِنْ رِئَةِ نَهارِكَ الأَزْهَرْ،
فَالْحُبُّ في زَهْوِ عَيْنَيْكَ خُيولٌ تَمَرَّدَتْ مَيادينُها،
وَمَهْوى السِّحْرِ يورِقُ في الرُّموشِ وَيَسْكَرْ..
إِنّي لَوْ شِئْتَ شِعْرًا، يَلْتَمِعُ ميثاقُ الفِكْرِ أَحْبارًا لا تَجِفُّ،
بَلْ أَسْطُرًا تَنْدَرِجُ فَوْقَ وَجْهِ الماءِ لا تَتَكَسَّرْ،
وَإِنْ شِئْتَ حُبًّا، فَعَلى رُفوفِ الشَّوْقِ تُصْلَبُ،
وَعَلى مَذْهَبِ العِشْقِ..
تُسَوَّغُ شَرابًا في شَفَتَيْهِ عَناقيدُ لا تُعْصَرْ.
20- 1 – 2017
*****
(*) مِنْ ديوان “في هَيْكَلِ الشَّوْقِ”