الأب كميل مبارك
يوحنَّا 14، 27 – 31
تحتفل الكنيسة في هذا اليوم بعيدين هما رأس السنة الشمسيَّة ويوم السلام العالمي الذي أعلنه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، ويصدر قداسة الحبر الأعظم كلَّ سنة في هذه المناسبة رسالة حول السلام وطرق الوصول إليه. ونتأمَّل في ما ورد في الإنجيل المقدَّس ونقف عند ثلاثة أمور:
1 – سلام العالم
يحاول قادة العالم جاهدين في العمل من أجل السلام بين الدول والشعوب، ويعتمدون أساليب عديدة، منها المؤتمرات واللقاءات والحوار، ومنها الأحلاف والتكتُّلات، ومنها أساليب القمع والقتال، وكلُّ هذه وسواها أدَّى حتى الآن الى الحروب والخصومات ولم يؤدِّ الى سلام ينعم به البشر على هذه الأرض.
سلام العالم المبني على المال والإقتصاد والتسلُّح وتوازن الرعب، فشل، وإن توصَّل في بعض الأحيان الى تهدئة الأوضاع في منطقة ما، فهو لم يصل الى شمول السلام، لأنَّ الطمع وحبَّ التسلُّط متأصِّل في قلوب كثيرين، ناهيك عن الأصوليَّات والمفاهيم المتعدِّدة للعلاقات بين الثقافات والديانات، التي عوضًا من أن تؤدِّي الى الإنفتاح والتفاهم وإيجاد سبل العيش بحسب الفضائل، تصل أحياناً الى القتل والدمار بإسم الدين لا بل باسم الله.
سلام المسيح
جاء السيد المسيح يقول سلامي خاصة أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. فما هو هذا السلام؟
بعد الخطيئة دخل الخوف والقلق والألم والموت وكلُّ صور الإضطراب والقتال الى قلب الإنسان، فقتل قايين أخاه وأنبتت الأرض شوكاً وقرطباً، وبات الإنسان بعيداً عن الطمأنينة التي عاشها في جنَّة الله. جاء المسيح يحقِّق المصالحة بين الإنسان والله، وبين الإنسان وأخيه، وبين الإنسان والطبيعة، وبعد ذلك أظهر للناس قولاً وفعلاً، أنَّ مصير الإنسان وغايته القصوى ليست
على هذه الأرض، بل في الملكوت، حيث لا مال ولا سلاح ولا اقتصاد ولا قلق ولا همٌّ ولا موت. فمَن فهم واتّعظ دخل السلام الى قلبه واطمأنَّ أَنَّ العالم الأرضي زائل، وأنَّ علينا أن نعمل للعالم الأبدي. وبهذا نبتعد عن كلِّ أسباب الحروب وبالتالي عن نتائجها المؤلمة.
ليس لسطان هذا العالم سلطة على يسوع
ردَّد المسيح في أكثر من مكان، أنَّه ينفِّذ إرادة الله وليس لإرادة الناس، ولا لأيِّ قوّة أخرى، سلطان عليه تأمره ليفعل أو ليمتنع عن فعل ما يريده الله. وبهذا إشارة واضحة الى أنَّ المسيح أتى ليموت مختاراً حرًّا فداءً عن البشر وطاعة لله الآب. ومَهما قرَّر الناس بشأن موته، فقرارهم لا ينفع ولا يضرُّ، لأنَّ إرادة الله قبل هذه القرارات، فلا اليهود ولا بيلاطس ولا الرومان ولا يوضاس، قادرون أن يقرِّروا بشأن مصير يسوع.
هذا يعني أنَّ الأمر بيد الله وحده، ولو كان البشر هم الذين قرِّروا مصير يسوع. لكان فعل الله أتى متأثّراً بقرارهم وهذا مستحيل. أمَّا أن يلتقي قرارهم الحاقد بالصلب، بقرار الله خلاص الإنسان، فهذا شيء من النبوءة كما قال يوحنا عن رئيس الكهنة، قايافا، حين قرَّر أن يموت واحد عن الجميع خيرٌ من أن تموت الأمَّة كلُّها.