مازن عبود
(كاتب وباحث- لبنان)
كان الميلاد هذا العام سخياً على لبنان، فقد احضر لنا حكومة لا تشبه كثيرا ما ننتظره من العهد، الا انها شكلت ومضة منيرة، لا بل رسالة طمأنة لبلد الارز في زمن التردي.
المهم ليس الاسماء بل الانجازاتن وما ننتظره من هذه الحكومة هو اجراء الانتخابات في مواعيدها وفق قانون يعيد تجديد السلطة، إن لم يكن بالإمكان اعادة تكوينها بشكل يتلاءم مع تطلعاتنا. ما يهمنا من العهد ومن الحكومات اجمالا أن تخلق الظروف المقبولة كي نشعر بأننا في بلد.
لو كتب لي ان انتخب رئيسا لكنت انتخبت الاستقرار، ولو كتب لي ان اسمي رئيس حكومة لكنت سميت البحبوحة، ولو كتب لي ان اسمي وزراء لكنت اخترت الكفاءة ووضعتها وفق الولاء أو بما يسمى في السياسة اللبنانية بالوفاء.
الحمد لله ان الحكومة الذكورية ابصرت النور وحسنا فعل رئيس المجلس باختياره سيدة من هذا العيار لتمثيل كتلته في مجلس الوزراء. ولدت هذه الحكومة ومنذ لحظة تشكيلها ورثت كما سابقتها الملفات المتراكمة والمتعثرة من نفايات وكهرباء وماء وعجقة السير وازمات سياسية.
آمل ان لا تضيّع ولايتها كما سابقاتها في شراء الوقت لتجميد الأزمات والملفات الملتهبة وتوريثها الى ما بعدها من حكومات، فقد اضحى جليا انّ ثمة نقصا حقيقياً في الخامات او في الارادة السياسة والوعي الوطني. ما نأمله من العهد اجمالا ومن هذه الحكومة بوجه الخصوص هو التعلم من الازمات السابقة كما الاستفادة من المشروعات الصغيرة الناجحة في الشارع كي يتم ابتكار حلول خلاقة لازمات كأزمة الكهرباء مثلا.
وفي هذا الاطار لماذا لا تتم دراسة تجربة المولدات الكهربائية الخاصة والصغيرة المنتشرة في كل حي وكل قرية وكل زاوية، وتحديد اسباب نجاحها واستدامتها؟ الا يمكن مثلا تفعيل قدرات مؤسسة كهرباء لبنان في الجباية عبر اناطة هذه المسألة الى السلطات المحلية (البلديات) التي تنال قانونا 10% من كل فاتورة لكل مشترك يعيش في نطاقها؟ اوليس ديوك القرى والاحياء اعلم بشؤونها وبخاصة اذا ما كان توظيف هذه المعرفة لزيادة ايراداتهم البلدية؟
ببساطة أعتقد بأنّ التعاقد مباشرة مع البلديات لجباية الكهرباء والماء والهاتف سيزيد معدلات الجباية بشكل غير مسبوق، ويسهم في التنمية المحلية عبر تغذية صناديق هذه السلطات التي هي على تماس مباشر ودائم مع الناس.
الم يلاحظ المعنيون في الدولة أنّ اصحاب المولدات وصهاريج المياه يستوفون كامل المبالغ المستحقة لهم حتى ممن لا يسددون قرشا واحدا للدولة؟
يجب الاستفادة من وجود الاقوياء في الحكم وتوظيف ذلك لا لاقتسام ثروات البلد بل كي تتحسن احوال اللبنانيين. نعم وصل القوي الى سدة الرئاسة وهذا ترف ما كان متوفرا سابقا في فترات ما بعد الطائف. فقد كانت علاقة الرؤساء في السابق غالبا غير صحية وغير ودية مع زعماء طوائفهم الأقوياء، مما كان يسهم في تعزيز تعثر مسيرة الحكم. لذا، فالمطلوب اليوم الاستثمار في هذه السابقة لتغيير احوال اللبنانيين عبر تغيير المناخات السياسية كي تصير ملاءمة ومحفزة للتنمية. ما عاد مقبولا ان تبقى السياسة عائقا امام التنمية في هذا العهد. آمل ان تصبح السياسة وسيلة فعالة لتحفيز النمو، ولا شرعية لأي سلطة لا تخدم التقدم والاستقرار والسلم والرفاهية. سابقا علقت الكثير من الخطط وسقطت بسبب مناخات المناكفة.
مطلوب اليوم اكثر من اي وقت مضى حكم رشيد يتمتع برؤية مستقبلية تضمن معدلا مقبولا من مساحات الاراضي للاستفادة من طاقة الشمس مستقبلا والحفاظ على صحة تربة لبنان لضمان الامن الغذائي والحد الادنى من المياه لصيانة الامن المائي. المطلوب وقف هذا التدهور البيئي المريع الذي يخسر لبنان ميزاته التفاضلية نتيجة تراجع أدوار الدولة لحساب السلطة او السلطات المحلية. المطلوب تحريك موضوع استكشاف النفط في المياه الاقليمية اللبنانية والمباشرة بالتنقيب وفق أعلى معايير السلامة والحفاظ على البحر واستخدام عائدات هذا القطاع لنقل لبنان الى الاقتصاد الاخضر النظيف، مع الاستثمار بما يتطلب ذلك من بنى تحتية عصرية وتنمية بشرية. اعتقد بأنّ انفاذ كل ذلك يتطلب وجود رغبة سياسية وقدرة على ترجمة هذه الرغبة خططا، قد يكون ذلك ممكنا اليوم فلا تضيعوا الفرصة!!