مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(أديب وشاعر وروائي وقاص وناقد- لبنان)
هل تَذكُرينَ بأَنَّ مَلقانا يَومًا، وكانَ العُمرُ نَديانا
كانَ النُّجُومَ بِعَتمَةٍ غَمَرَت خُضْرَ التِّلالِ، وكانَ نَيْسانا
كُنَّا الفَراشاتِ الَّتي نَشَطَت بِعِبابِ زَهرٍ شَعَّ أَردانا
وخَمائِلًا غَمَرَ العَبِيرُ بِها فُلًّا، ونِسرِينًا، وبَلْسانا
ويَلُفُّنا فَرَحُ التِّلالِ وقد تِهنا على الرَّبَواتِ غِزلانا
وإِزارُنا غَمْرُ الشَّبابِ، فَما عَرَضَ الوِصالُ، نَضُوعُ رَيْحانا
كُنتِ الطَّلاوَةَ أَورَقَت وعلى جَنبَيكِ فاحَ النَّوْرُ جَذلانا
وكَسا إِهابَكِ طِيبُ فاغِيَةٍ، فإذا نَشَقتُ أَطِيرُ نَشوانا
وأنا إِزاءَكِ نَحلَةٌ وَلَجَت شَهْدَ الرَّبيعِ وضَجَّ أَلوانا
أَرتادُها النَّظَراتِ تَغمُرُني بالجَمرِ أَثوِي فيهِ حَرَّانا
أَهْنا بِرَشقِكِ بِاللِّحاظِ وإن لامَستُ وَرْدَكِ بِتُّ نِيْرانا
لا أَكتَفي مِن رَشْفِ لاهِبَةٍ وأَعودُ، بَعدَ الوِرْدِ، ظَمآنا
وغَدَوتِ في شَفَتَيَّ أُغنِيَةً، وغَدَوتُ، مِن رَيَّاكِ، أَلحانا
هل تَذكُرِينَ، إذا لَقِيتُكِ كم أَبقَى أَمامَ جَناكِ حَيْرانا
ثَمَرٌ على الأَغصانِ يَسحَرُني، وتَسَمَّرَت بِاللَّحظِ عَينانا،
فَتَهُمُّ تَقطِفُ مِن لَذاذَتِهِ كَفِّي، ومارَ هَواكِ أَفنانا
شَهْدًا تَقَطَّرَ مِن مُسَيَّجَةٍ طابَت عَناقِيدًا ورُمَّانا
والحُبُّ إِذ أَسرِي بِرَوضَتِهِ، لَأَعُودُ بعدَ سُرايَ سَكرانا!
واليومَ ماذا حَلَّ واندَثَرَت تلكَ السِّنُونُ، وغابَ ما كانا
فَإِذا هَوانا، بَعدَ مَيْعَتِهِ، أَضحَى يَباسًا لَفَّ أَغصانا
هو كُلَّما نَرقَى إلى سُحُبٍ لَنَراهُ بِالنَّكَساتِ أَوهانا
ولَكَم يَضِنُّ، وكانَ قَبْلُ نَدًى، ويَصِيرُ بَعدَ جَفاهُ أَوهانا
فَنَعُودُ مِن وَعْدِ القِطافِ وقد فاضَت سِلالُ الشَّوقِ خِذلانا!
فَلَنحنُ بعدَ نَضارَةٍ ذَبُلَت نَقتاتُ مِن أَشلاءِ ذِكرانا
لا يَرتَوِي فِينا الفُؤادُ، ولا يَهَبُ الخَرِيفُ الرُّوحَ سُلوانا
سَقْيًا لأيَّامٍ غَدَت حُلُمًا عَمَرَ الفُؤادَ، وحَلَّ أَجفانا
عَجَبًا لهُ يَأتي بِفَرحَتِهِ مَملُوءَةً غَمًّا وأَشجانا
حِينًا يَثُوبُ بِدِفءِ بَسمَتِهِ ويَغِيبُ في العَبَراتِ أَحيانا
هو كالسَّرابِ يَعِزُّ مَلمَسُهُ، ويَضِيعُ فيهِ اللَّحظُ وَسنانا!
هَلَّا نَؤُوبُ لِجَنَّةٍ رَحَلَت ويَعودُ عُمرٌ فاضَ تَحنانا
ويَثُوبُ عَهدٌ، ناءَ مِن حِقَبٍ، مِ الوَجْدِ أَسعَدَنا وأَضنانا
فَنَسِيرَ عَبْرَ دُرُوبِها، فَلَكَم عِشنا الهُيامَ، وطابَ مَسرانا
هَيهاتَ… حتَّى لو لِآوِنَةٍ كالبَرقِ تُومِضُ فيه رُوحانا
هَيهاتَ… لكنْ ما بَنَى زَمَنٌ في الفَجْرِ آنَ رَواحُهُ الآنا
قَد كانَ قَصْرًا فَانتَهى طَلَلًا، وانهَدَّ، بَعد سَناهُ، أَركانا
يا دَهرُ لَولا، بَعدَ غُربَتِنا، نَلِجُ الدِّيارَ، نَشُمُّ أَحضانا
حَلِكَت بِنا الآفاقُ نَسأَلُها عن ضائعٍ، والنَّشْدُ أَضوانا
وتَمَلمَلَت فِينا الدُّرُوبُ، وكَم أَعيا التَّساؤُلُ عنهُ رُكْبانا
هَيهاتَ نَسلُو، والجَنانُ غَدا نارًا تَؤُجُّ جَوًى ووِجدانا
نَأوِي إلى النِّسيانِ يَرذُلُنا، ويَعافُ فِينا القَلبُ نِسيانا
وإذا أَتَى لِلبالِ يَبسِمُ مَن كانُوا أَحِبَّاءً وخُلَّانا
تَغدُوا الجَوانِحُ مِثلَ مَوقِدَةٍ حَضَنَت، على الجَمَراتِ، هَيمانا
هَيهاتَ يَرجِعُ رَكْبُنا ولقد ماجَت بِنا البَيداءُ كُثبانا
هَيهاتَ يَرجِعُ جَرْسُها غُدُرٌ، وطَوَى الخِضَمُّ اللُّجُّ غُدرانا!
دائما مميّز أستاذ موريس وديع النجار!! شعرك ينساب كالماء العذب المتدفق من الينابيع العميقة في أعالي الجبال، يروي بسخاء البساتين والسهول أثناء عبوره متابعا طريقه نحو البحر الكبير!
سَيِّدَتي!
أَشكُرُ لَكِ قِراءَتَكِ المُحِبَّةَ، وتَعلِيقَكِ الصَّافِيَ الشَّيِّق. ولا غَرْوَ… فَمَن كانت قَلَمًا يَنهَلُّ وَشْلًا في القَحْطِ المُنداحِ، وكَلِماتٍ أَقَلَّ ما فِيها جَرْسُ سَماءٍ، لَيسَ لها إِلَّا أَن تَرَى البَهاءَ في مَظانِّهِ فَتَرفَعُهُ “سِراجًا لا يُوضَعُ تَحتَ مِكيالٍ، بَل على المَنارَةِ” على حَدِّ تَعبِيرِ الكِتابِ المُقَدَّس.
أَنا أُتابِعُ كِتاباتِكِ الَّلطِيفَةَ، الرَّشِيقَةَ، الرَّقِيقَةَ، الأَنِيقَةَ، وأُكبِرُ خَيالَكِ الهَفَّافَ الشَّفَّافَ، وتَعابِيرَكِ الَّتي تَطوِي في دِقَّتِها وَساعَةَ المَدَى.
عافاكِ الله!
مُورِيس وَدِيع النَجَّار