د. عماد عبد اللطيف
(أديب وباحث- القاهرة)
دار نقاش بيني وبين د. كريم الصياد حول تقييم الفيلسوف عبد الرحمن بدوي للفلسفة الأرسطية. وأود أن أورد هنا جزءًا من نقاشنا يتعلق بتقييمي الشخصي لمعظم دراسات البلاغة الراهنة، وبخاصة تلك المختصة بدراسة الحجاج.
يميز عبد الرحمن بدوي بين الإسهامات التي تقدم تبصرات أو إلماعات أو إلهامًا مثلما هو الحال في أعمال أفلاطون، وتلك التي تقدم معرفة جاهزة شبه مدرسية، مثلما هو الحال في أعمال أرسطو. ويرى بدوي أن الأشخاص المبدعين ذوي النزوع نحو الاستقلالية والإبداعية الفكرية، يجدون في أفلاطون بغيتهم، أما متوسطو الموهبة، الذين ينظرون إلى المعرفة على أنها تمارين، فإن تعلقهم بأذيال أرسطو يصبح منقذهم. ولا يسعني إلا أن أتفق معه تمامًا وأنا أنظر إلى تطبيقات البلاغة الأرسطية في العالم العربي في الوقت الراهن حيث يحظى كتاب الخطابة لأرسطو، والخطابة الجديدة لبيرلمان بالاهتمام الأكبر، إذ لا أجد في الغالب الأعم إلا تمارين، يقوم بها طلاب وأساتذة، لا يضيفون للمعرفة قليلا أو كثيرًا، يُمسك كلٌّ منهم ساطورًا ثلمًا، ويشرحون نصوصًا وخطابات، ويضعونها في أطباق الإيتوس والباطوس واللوجوس، ونحوها، ثم يتنهدون، ويعلنون دونما خجل أنهم يعيشون ازدهارًا بحثيًا غير مسبوق. وباستثناء حفنة من الأعمال الأصيلة، فإن الغالبية الكبرى من هذه الأعمال ليست إلا استنساخات رديئة لأعمال سابقة ربما لا تقل رداءة بكثير. إن فقر الخيال، والإبداع، والفهم الخاطئ للبحث العلمي على أنه تمارين، يجد في ملء صناديق أرسطو وبيرلمان وغيرهما، قناعًا يُغطي واقعًا قبيحًا.