إيلي مارون خليل
(أديب وشاعر وروائي وقاص- لبنان)
… فإذا صحّ هذا المثل، وهو غالبًا ما يكون كذلك، أفَلا يُفترَضُ بأن يكون الأهلُ مِثالَ أبنائهم الأعلى!؟ فهل؟
ونحن في مثل هذه الظّروف الاجتماعيّة الضّاغطة، والبيئيّة الملوَّثة، والوطنيّة الموبوءة، وعلى كلّ صعيد ومستوى، هل يمكِن للأهل، أيِّ أهلٍ، وعلى أيّ مستوى اقتصاديّ كانوا، أو ثقافيّ، أو… ألّا يكونوا تحت أيّ ضغط ليكونوا مِثالًا لأولادهم وسائر الأولاد!؟
هل يستطيع هؤلاء الأهل، أن يواجهوا، ناجحين، الضّغوطاتِ، ويتحدّوا الصّعوبات والمًشكِلات، وألّا يقعوا في العثرات، ليكونوا هادئين، ملتزِمين، مسؤولين واعين مسؤوليّاتِهم، قادرين على الالتزام بها، تجاه أولادهم وأترابهم والأجيال!؟
أوَلا يقع الأهلُ، كلُّ أهلٍ، تحت هذه الضّغوطات والصّعوبات والمُشكلات، فتتبدّل اهتماماتُهم وأهدافُهم، ما يعني تَبَدُّلَ أنماطِ حياتِهم، فينشغلوا بأمور المعيشة من طبابة وتعليم وغذاء وكسوة وسواها، فهل يصحّ أن يُفرَضَ عليهم أن يكونوا مِثالُا!؟
يمتاز عصرُنا بالسّرعة والتّكنولوجيا. ألسّرعةُ ضَغطٌ نفسيٌّ خانِق يُضيّق فُسحات التَّواصُل بين النّاس، فسحات الضّوء والحرّيّة، فسحات التَّثاقف… ما يُفقِرُ المرءَ ويؤدّي به إلى هَزالة الرّوح. والتّكنولوجيا؟ مَرَضولوجيا! مِثالُ ذلك انقطاعُ التّفاعل وتاليًا التَّواصُل الواجب بين الأهل والأولاد. ففي جلسة المساء، مثلًا، يقبع كلٌّ في “جحره” أمام شاشته و”يتواصل” مع “كائنات” في آخر الكون، بعيدًا عن الآخر، فتسيطر الوحدةُ الّتي “تقتل” الرّوح، تقتلُ “الحياة”!
ومن ناحية أخرى، أفَلا يُفتَرَض بالأهل، وتحت أيّ ظرْفٍ، أن يتعالَوا على ما يواجِهُهم، ويتصدَّوا له، وينتصروا عليه، لأنّهم أهل!؟ إذ من تعريفات الأهل أنّهم مَن يُشارك اللهَ في إعطاء الحياة، ويساعد على نموّ الأولاد “بالقامة والنّعمة”!؟ فكيف يتمّ لهم هذا إذا ضعفوا، أو تخاذلوا، أو جبنوا، أو لانوا؟ أو…
لا شكّ في أنّ من ميّزات الأهل، التّرَوّي والصّبر وقدرة الاحتمال وصواب الرّأي وصحّة الرّؤيا لسلامة التّوجيه. فإذا تمّ لهم ذلك، نجحوا في كلِّ أمر. في التَّصَدّي، وفي أن يكونوا حَسَني التّوجيه، مِثاليّين! ما يؤمّن سلامةَ الأولاد الذّهنيّةَ والنّفسيّةَ، وهذا يؤمّن سلامة العائلة والمجتمع والوطن، والطّمأنينةَ والسّكينة لهذه كلِّها.
كما من صفات الأهل الأساسيّة، معرفةُ الدّور الّذي يتمتّعون به، وأهمّيّته، وفَرادته، وفهمه، وضرورة الالتزام به التزامًا تامًّا ونهائيًّا ودائمًا وفي كلّ ظَرْف. وإلّا، فهل هم “أهلٌ” حاضنون، مخلِصون، راؤون، على المستوى المطلوب؟
ولكن، أيُمكِن أن نحاكم “الأهل”، في مثل هذه الحالات، متناسين ما نعاني وإيّاهم في عصرنا هذا، وبيئتنا, وكلّ بيئة؟
إنّ العصر الّذي “نعيش” فيه، بما فيه من ضغوط ومُغريات وتكنولوجيا، لا يسمح لنا، جميعًا، بأن “نحيا”! وحده، “العيش” لا قيمة له من دون “الحياة”! “ألعيش” أكل وشرب ولذائذ هشّة تبقى في إطار المادّة السّريعة الزّائلة. أمّا “الحياةُ”، فحرارةُ النّفسِ والرّوح والدّم والأحلام والقِيَم والثّقافة والحقّ والخير والحبّ والجمال!
ألّلهمَّ! ساعد أهلَنا ليستطيعوا أن يكونوا مِثالًا حقيقيًّا، حقًّا، أمام الأجيال، أينما كان، ليرتقي هذا الكونُ إلى حيث “الحياة”!
13- 8- 2014
www.eliemarounkhalil.com