إيلي مارون خليل
(أديب وروائي وشاعر وقاص- لبنان)
طرحتُ، في مقالة سبقت، مبادئ عامّة في مفهوم العائلة، ودورها من خلال تلك المبادئ/المفاهيم. وطرحْتُ، في نهايتِها، السّؤال: هل هذا ما تقوم به عائلاتُنا، اليوم!؟
بَدءًا، لماذا هذا السّؤال!؟
في الواقع، لسببَيْن اثنين: الأوّل نتيجة ملاحظات لنا حول “المظاهر”، والثّاني كون العامل بمفاهيمه، عليه أن يكون عارفًا فيها، فاهمًا أهمّيّتَها، مؤمنًا بها وبدورها في الحياة!
فما هي هذه “المظاهر” الّتي نراها، أو تتراءى لنا؟
كثيرة، مختلفة. جُلْ، ببصرِكَ أينما شئت، ومتى شئت، وكيف شئت، فماذا ترى؟ أو ماذا يتراءى لك أنّك تراه؟
في الطّرقات، مثلًا، مَن يُحَيّي مَن، ببشاشة وعفويّة وانفتاح؟ مَن لا يرمي ورقة في الطّريق؟ مَن من السّائقين، يحبّ قانون السّير فلا يخالفه؟ مَن ينتبه للبيئة، فلا يُسيء إليها؟ للتّشويه، فيتّقي؟ للذَّوق، فيكون لطيفًا، وَدودًا؟ إذًا، هل نحنُ نُرَبّي أطفالَنا على ما يُفْترَض، من أنظمةٍ وتقاليدَ جيّدةٍ تُماشي العصور، ولا تَبطُل، ولا تزول؟ في العمل، أيّ نوعِ عمل، في أيّ مكان، أيّ وقت، مَن لا يتذمّر، أو لا يُضيّع وقتًا، أو… مَن يعمل بحُبّ وإخلاص؟ في المدرسة والجامعة، حيث يُفتَرَض أن يكون الحُصْن الأخلاقيّ موفور الوجود، هل نرى هذا واضحًا؟ مَن يتصرّف بنُبْل وأصالة، بحسب القِيَم؟ الإدارة؟ ألا نسمع عن المُساومات مع الأساتذة، حول الرّواتب، ومع دور النّشر، حول النّسبةِ المئويّة؟ الأساتذة؟ ألا نرى تخاذلَهم وتَأفُّفَهم، وتَغَيُّبَهم وتَنَكُّرَهم؟ التّلامذة؟ الطّلّاب؟ الموظَّفون؟ ولكلٍّ أسْبابُه حُجَجُه؟ ولا تعميم، بالطّبع!
وتاليًا، هل نجد أنّ “الأهلَ” يُتقِنون دورَهم؟ هل هم يعرفونه؟ يفهمونه؟ يُقدِّرونَه؟ يعملون بمفاهيمِه؟ يُريدونَ ذلك؟
نظرة إلى الواقع تُفيدُنا بأنَّ دورَ “الأهل”، هو إمّا غائبٌ، وإمّا غيرُ مُطاع. غائبٌ؟ لأسباب منها جَهْلُها وجَهْلُ أهمّيّتِها وقيمتِها، وجهْلُ دَورِها… وغيرُ مُطاع، لكون الأولاد، إمّا “مَهروقون”، وإمّا ُمنجرِفون”، وإمّا لا مُبالون، وإمّا إتّكاليّون، وإمّا غافلون، وإمّا هم لا يُريدون… لذلك، تتخلّف العائلات وتتراجع المجتمعات وتسفلُ الأخلاقُ فتزول القِيَمُ وتنحطّ الحضاراتُ… ويحيا النّاس انحطاطًا في إثْر انحطاط!…
قلتُ ما سبق مقتنِعًا، غيرَ معمِّم! أحفظُ وأفهم وأستسيغ ُقَولَ أُمّي: “لو خِلْيِتْ خِرْبِتْ”! تقصد أنّه لو خلتِ الأرض من الصّالحين، لَسادَها الخَراب. في إشارةٍ غيرِ واعيةٍ إلى مدينتَي “سَدوم” و”عَمورة”، الّلتَين لم يتوفّر، فيهما، أحدٌ صالحًا، لذلك نزل بهما غضبُ الرّبِّ.
فماذا يجبُ أن يحصُلَ!؟
ألّا يتزوّج الشّباب إلّا بعد حُبٍّ عميق وصادق وكبير، مع تفكير موضوعيٍّ منطقيّ سليم، بعيدًا عن أيّ منفعةٍ شخصيّة. وأن يكونا منفاهمَين على كلّ أمر، بما في ذلك طريقةُ تربية الأولاد، لئلّا يحلّ بينهما سوء تفاهمٍ، مهما كان بسيطًا. وأن يكونا مؤمنَين بالأخلاق والقِيَم وحُسْنِ السّيرة، كونها مِثالًا يُحتَذى. فقد سألتُ والدي، مرّةً، وقد كان خوري رعيّة جبليّة: لمَ لا “تعظُ” كما الكهَنةُ الآخرون، يا أبي؟ بعفويّة وبساطةٍ نافذتَين، مؤثّرتَين، موحيتَين، أجاب: ألا تعرف، يا بني، أنّ أفضل العِظاتِ، وأنفذَها بَلاغةً، هي مسيرتُك بين النّاس!؟ صدّقتُ أبي!
وهذا ما يجبُ أن يفهمَه النّاسُ، النّاسُ كلُّهم، ويعملوا به!
ألا تعرفون المَثَل القائل: “ألثّلم الأعوج من الثّور الكبير”!؟
12/آب/2014
www.eliemarounkhalil.com