إيلي مارون خليل
(أديب وروائي وقاص وشاعر- لبنان)
لا أحدَ يُنكِرُ، هُنا، وفي أيّ هُنا، أنّ العائلةَ خَليّةُ وجودٍ، ودلالةُ كينونةٍ، وعلامةُ محبّةٍ، ونعمةُ حضارةٍ، وإشارةُ رجاء. وإلّا، فما هي، وأيُّ قيمةٍ لها، وأيُّ دَور!؟
ولا شكّ، أبدًا، في أنّ علامةَ الخليّةِ الأولى الأهمّ، أو ميزتَها، هي تجدُّدُ الحياةِ؛ أو قلِ الحياةُ المتجدِّدةُ باستمرار. تَجدُّدُ الحياةِ يعني، في وجهٍ ما، عدمَ استقرار الحياةِ على حالةٍ واحدةٍ ثابتة ونهائيّة. فالاستقرارُ نهاية، والنّهايةُ موتٌ. والثّباتُ اكتفاءٌ نتيجة اقتناعٍ، وفي هذا جمودٌ ويَباس. ما هو من غير طبيعةِ الحياة. فحين نقول، إذًا، خليّة وجود، نكون نعني الوجودَ المنفعلَ المُتفاعل مع المحيط: طبيعةً وإنسانًا، ما يُفيد ويُنَوِّعُ ويُثري.
وحين نقول إنّ العائلةَ دلالةُ كينونةٍ، نكون نعني أنّها ذاتُ جوهرٍ ينماز عن أيّ جوهرٍ آخر، فهو الوجودُ المُبدِعُ والخَلّاقُ في محيطه، انعِكاسًا إلى أيّ وجودٍ، هو، بدوره، يفيدُ وينوِّعُ ويُثري. ما يزيدُهما، معًا، العيلةُ ومحيطُها، تألُّقأ إنسانيًّا، وإشراقًا، على صعيدَي الفَردِ والجَماعة. في هذا بعضُ دورٍ للعائلة، وبعضُ قيمة.
وحين نقولُ إنّ العائلةَ علامةُ محبّةٍ، نكون نُشيرُ إلى نورِ رسالةٍ، وفرحِ انفتاح؛ لا تَقَوقُع ولا خوف. بعضُ دورِ العائلةِ وبعضُ قيمتِها، في أن تكونَ إشراقَ المحبّةِ على الجميع، ولا اسثناء، وإلّا خانت دورَها الأصيل. يُتِمّ هذا الدّورَ فرحُ الانفتاح على السِّوى، الّذي هو في أساسِ علاقة العائلة مع محيطِها، تَقَبُّلًا وتغييرًا. كلاهما: العائلةُ ومحيطُها، بالتَّقَبُّل والانفتاح، يرتقيان.
وحين نقولُ إنّها نِعمةُ حضارةٍ، نكون نعني رُقيَّها ومحيطَها في آنٍ. فالعائلةُ الحيّةُ المتجدِّدةُ المتفاعلةُ الخلّاقةُ الرَّسوليّةُ المُحِبّة المنفتِحة الرّاقيةُ، نعمةٌ حضاريّة لها وللسّوى، في محيطِها والبعيد. في أيّ مكان، في كلّ مكان. حضارةٌ عالميّة. لكلّ عائلةٍ دور، تَكامُلُ الأدوارِ، وريادتُها، يَسمُوان بالإنسانيّة. بعضُ بهاءِ الله!
أمّا حين نقولُ إنّ العائلةَ إشارةُ رجاءٍ، فنكون نعني أنّها المُرتجى، أوّلًا، ممّن يُقيمُ فيها وحولها. فمَن فيها، هم أبناؤها العارفون، الرّاؤون، العاملون بوعيٍ، بنضجٍ، بمسؤوليّة. ومَن حولها، هم المُشِعِّ فيهم دورُها، المُغنيهم معرفةً، ثقافةً، سعادةً، إيمانًا بالإنسان وبالله، إنسانيّة… ما يُفيضُ الحقَّ الخيرَ الجَمال، الثّالوث الأبديّ العاملة من أجله كلُّ عائلة متنوّرة. فإلّم يكن ذلك، فـ”على الإنسان السّلامّ!
هذا هو مفهومُنا للعائلة، وهذا هو دَورُنا في المحيط، وفي إكمالنا دورَنا هذا، تكمن قيمتُنا الّتي نعمل، دومًا، بتفاعلِنا مع محيطِنا، على أن نرتقيَ بها، صَونًا لعائلاتنا، تحصينًا للأخلاق، رِفْعةً للوطن.
فهل هذا ما تقوم بهِ عائلاتُنا، في هذا الزّمنِ الدّائخ!؟
11/آب/2014
www.eliemarounkhalil.com