نَدى نعمه بجّاني
(شاعرة- لبنان)
مَشى عَلى الجَمْرِ زَمَنًا، وَغادَرَتْهُ الفُصولْ،
وَطَنٌ عَصِيٌّ عَلى المَوْتِ،
ما أَثْنى عَلى مَساراتِ القَدَرِ،
وَلا خافَ شَحَّ اليُسْرِ،
لَمّا دَنا القَهْرُ مِنْ رَغيفِ العُمْرِ، وَأَصابَهُ الخُمودْ.
فَإِنْ غابَتْ عَيْناهُ يَوْمًا، لا بُدَّ أَنْ تُشْرِقَ عَيْنا الصَّباحِ،
وَما صَباحُهُ إِلاّ ساطِعٌ بالوَقارِ، يَليقُ بِهِ السُّجودْ.
***
وَطَنٌ، تَجَمَّلَتْ بِحُسْنِهِ الدُّنى،
وَتَحَدَّثَتْ عَنْهُ الدُّهورْ،
وَما دَرَتْ مَنْ هُوَ،
حَتّى قُلْنا لها:
” أَلا يا ابْنَةَ الدَّهْرِ، لا تَسْأَلي!”
آهٍ، لَوْ تَدْرينَ أَنَّ هذا اللُّبْنانَ تاريخٌ،
كَتَبَهُ كمٌ مِنْ شَهيدٍ، وَكَمٌ مِنْ حُرٍّ،
وَكَمٌ مِنْ شَرارَةٍ، تَلَظّى بِها مُعْتَدٍ،
وَطَوى الأَنا في مَثاوي الجُحودْ.
***
إِنَّهُ لُبْنانُ الأَجْمَلُ،
قَدْ جاءَ مِنْ وَحْيِ الأَزَلِ يَوْمَ سَكِرَ الدَّهْرُ،
وَاسْتَوْدَعَ مَنابِتَ السِّحْرِّ، أَثْمارًا مِنْ عَسْجَدٍ بِالخَيْرِ تَعودْ.
***
لُبْنانُ حَيْثُ التّاريخُ أَقْمَرَ،
وَالأَرْضُ مَسَحَتْ عَنْ جَبينِهِ أَسْرارَ الخُلودْ.
فيهِ مَجْدٌ، فيهِ عِزٌّ،
فيهِ بَحْرٌ مُرْجانِيٌّ، فَيْروزِيُّ الخُدودْ،
فيهِ أَرْزٌ مُبارَكٌ، قَبَّلَتْ أَقْدامَهُ الشَّمْسُ،
وَانْحَنتْ أَمامَهُ الرُّعودُ..
فيهِ الرِّضابُ تَتَكَلَّمُ، وَالخِضابُ تَجودُ،
فَالحًسْنُ كَسا الوِهادَ وَالذُّرى،
وَكُلُّ ما فيهِ اقْتَنَصَ مِنَ الصَّخرِ العِنادَ،
وَاسْتَقَرَّ في أَفْئِدَةِ الفِتْيَةِ،
وَانْطَبَعَ عَلى جِباهِ العَسْكَرِ،
وَلَمْ تَزَلْ مَعالِمُهُ، تَشِعُّ في عُيونِ الجُدودْ.
***
لَوْ أَنَّ الأَوْطانَ كُلَّها جُمِعَتْ،
فَشَعْبُكَ العِصامِيُّ، مُغايِرٌ في تَجْسيدِ الصُّمودْ.
مَنْ ذا يُنازِلُكَ في الوَغى؟
مَنْ ذا يُوازيكَ في الكِبَرْ؟
لُبْنانُ بِجَناحَيْكَ، رِجالٌ أُسْدُ،
داروا عَلى آفاقِ النَّصْرِ،
فَما هابوا الثَّرى،
وَاسْتَبْسَلوا،
ذَوْدًا عَنْ حِياضِ الوَطَنِ، وَالحُدودْ.
***
سَبْعونَ وَثَلاثٌ، تَحَدَّيْتَ العالَمْ،
سَبْعونَ وَثَلاتٌ، تَحَدَّيْتَ الأُمَمْ،
سَبْعونَ وَثَلاتٌ، وَأَنْتَ أَشْرَفُ الأَعْيادْ،
وَأَنْتَ الأَمَلُ المَنْشودُ،
تَعْزِفُ نَشيدَكَ الحُرَّ، بِأَنامِلَ مِنْ وُرودْ..
سَبْعونَ وَثَلاثٌ، قالوا فيكَ يا اسْتِقْلالُ،
وَجُلَّ ما قالوا، أَنَّكَ ثَوْرَةٌ عَلى الظُّلْمِ،
وَثَوْرَةٌ عَلى الاحْتِلالْ،
وَحُلُمٌ كَبيرٌ يُلَوِّحُ بِرايَةِ الإنْتِصارِ المَشْهودْ.
***
بورِكَ اسْتِقْلالٌ مَيْمونٌ، هُوَ أَثْمَنُ ما في الوُجودْ.
وَهْوَ مَذاقٌ، كَالخَمْرِ، كُلَّما طابَ،
طَفَحَ في تَكْوينِ مَشاعِرَ عِذابٍ، تَضُجُّ في كِيانٍ مَشدودْ.
***
فَالعيدُ لِمَنْ هُمُ الأَجْدَرُ بِالوَلاءْ،
لَئِنْ هُمُ الأُلى وَطَأوا أَرْضَ المَجْدِ،
وَأَقْسَموا، عَلى التَّضْحِيَةِ، وَالشَّرَفِ، وَالوَفاءْ،
فَصانوا جَوْهَرَ العَزْمِ،
حَتّى غَدَتْ عَزائِمُهُمْ مَآثِرَ، حيكَتْ بِالطّينِ وَالدَّماءْ..
***
فَأَجْمِلْ بِاسْتِقْلالِكَ، يا وَطَنُ،
وَأَحْسِنْ بِهِ، في عَصْرٍ، تَحْتَدِمُ في خِضَمِّهِ المِحَنُ،
إِجْرَعْ نَخْبَ البُطولَةِ، وَطِفْ بِما صانَتْهُ القِيَمُ،
دُمْ حَيْثُ أَنْتَ، في الأَعالي السّامِقاتْ،
دُمْ عُقودًا، دُمْ عُصورًا،
دُمْ، قَدْرَ ما شِئْتَ مِنَ العُهودْ.
عِشْتُمْ وَعاشَ لُبْنانْ، وَعاشَ الإسْتِقْلالْ
(22 -11 – 2016)
*****
(*) أُلقِيَتْ في المركز الثّقافيّ- دير دون بوسكو، الكحّالة، خلال اللّقاء الشعريّ الثّاني “الكحالة والشّعر”، بمناسبة عيدِ الاستِقْلال اللّبنانيّ الثّالث والسّبعين ، بحضور رئيس بلديّة الكحالة الأستاذ جان بجاني، رئيس بلديّة عاريّا الأستاذ بيار بجّاني، نقيب شعراء الزّجل الأستاذ جورج أبو أنطون، الأستاذ وليم حسواني، إلى جانب فعاليّات من المنطقة.