«بلد صغير» لغايل فايي تفوز بـ «غونكور/ اختيار الشرق»

الفرنسي من أصول بوروندية رسم رواندا الجنة والجحيم

guilaf-gael

كلود أبو شقرا

فــــــازت روايـة «بلــد صغيــر» للروائي الشـاب غايل فايي بجائزة الفرنكوفونية الأدبية الإقليمية «غونكور/ اختيار الشرق» لعام 2016، التي ينظمها مكتب الشرق الأوسط التابع للوكالة العالمية للفرونكوفونية والمعهد الفرنسي في لبنان. وقد أعلنت النتيجة، ضمن «صالون الكتاب الفرنكوفوني» في دورته الـ 23 الذي عقد في بيروت في الفترة بين 5 و13 نوفمبر 2016 الجاري، وذلك بحضور عضو «أكاديمية غونكور» بول كونستان.

جاء إعلان نتيجة جائزة «غونكور/ اختيار الشرق» بعد مداولات سرية أجرتها لجنة التحكيم المؤلفة من 34 عضواً يمثلون 28 جامعة من 11 دولة في الشرق الأوسط: جيبوتي، مصر، الإمارات العربية المتحدة، العراق، إيران، الأردن، لبنان، فلسطين، السودان، سورية واليمن. تلت ذلك مناقشة بين الحكام والجمهور، أدارتها رئيسة لجنة التحكيم سلمى كوجوك.

كما جرت العادة، يدعى الفائز بالجائزة إلى المشاركة في «صالون الكتاب الفرنكوفوني» في دورته الـ 24 في خريف 2017 في بيروت، وسيترجم كتابه إلى اللغة العربية.

يذكر أن نشاطات هذه الجائزة تستمر على مدى العام 2017 في بلدان المنطقة، من خلال تجمعات فرنكوفونية رقمية تنظمها الوكالة الفرنكوفونية عبر المعاهد الفرنسية في هذه الدول.

«بلد صغير»

تدور أحداث رواية «بلد صغير» في عام 1992، وتتمحور حول غابريال (10 سنوات) فتى يقيم في بوروندي وسط عائلة مؤلفة من والد فرنسي يعمل في مجال المقاولات ووالدة رواندية، وشقيقته الصغيرة آنّا.

سنوات غابريال العشر الأولى، حفلت بأوقات سعيدة ومرحة، قضاها متنزهاً في الشوارع وفي اللعب مع أترابه، ومراقبة الناس يتسامرون في المقاهي وسط أجواء من الطمأنينة والحياة الممتعة، إلى أن دقت الحرب الأهلية الأبواب، فاقتلعت الناس من منازلهم ومن طمأنينتهم وسلبت غابريال براءة طفولته، في وقت تزامن أيضاً مع طلاق والديه وابتعادهما عن بعضهما البعض. هكذا انهار في لحظة عالمه الذي كان يعيش سعيداً في وسطه، وحل محله الخوف والرعب والتساؤلات التي لا تنتهي حول الغد والمصير المجهول، وبلمح البصر تتضح أمامه رؤيته لنفسه التي لم يكن ينتبه لها سابقاً، إنه من الملونين وتوتسي (نسبة إلى جماعة التوتسي) فرنسي.

gael-faye

عالم منسي

كتب غايل فايي روايته هذه لاستعادة عالم منسي، لإحياء ذكريات جميلة عاشها في بوروندي، فأعاد رسم الشوارع والناس، وحاول من خلال صوره أن يسترجع الأوقات الجميلة ويتنشق عطر الليمون في الشوارع والنزهات المسائية والقيلولة بعد الظهر والنقاشات في المقاهي… أراد فايي من خلال هذه الرواية أن يصرخ في وجه العالم بأن الروانديين كانت لديهم حياة بسيطة وجميلة، وسعوا إلى الحفاظ عليها قبل أن يتشتتوا في أصقاع الأرض ويتحوّلوا إلى جماعات من المنفيين والمهجرين.

بحس روائي فريد، تطرّق غايل فايي إلى الاضطرابات التي اجتاحت الشوارع وحصدت الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، وإلى تساؤلات طفل وجد نفسه وسط دوامه جعلته يكبر بسرعة، إلى شخصيات تحاول البقاء على قيد الحياة رغم عنف المأساة.

مؤلف موسيقي

غايل فايي من أصول بروندية فرنسية، كاتب ومؤلف موسيقي ومغنٍ، تأثر بالموسيقى القديمة وبثقافة الهيب هوب. شارك في 2010 في ألبوم غنائي مع فرقة Milk Coffee & Sugar، وفي 2013 أصدر ألبومه الفردي الخاص الأول، الذي يبرز تأثره بالموسيقى القديمة وبأنماط موسيقية حديثة مختلفة من الراب إلى الصول والجاز والسامبا والرومبا الكونغولية. وصدرت روايته الأولى «بلد صغير» في 24 أغسطس 2016.

جنة مفقودة

غابريال في رواية «بلد صغير» ليس انعكاساً لطفولة غايل، فالأخير لم يعش الظروف المأساوية التي واجهها بطل روايته، لكنه رسم هذه الشخصية بالتحديد ليحمّلها كثيراً من التساؤلات التي سيطرت على عقله ووجدانه، وهو يشاهد رواندا تغرق في آتون الحرب الأهلية، ومن خلاله استعادة ذكريات جميلة في هذا البلد الإفريقي، أو بالأحرى في هذه الجنة المفقودة.

أراد غايل من خلال روايته التأكيد أن المجازر والحروب التي شهدتها رواندا وبوروندي فاقت بوحشيتها كل وصف، وحتى الأدب يعجز عن إعطاء صورة حقيقية للعنف الذي حصد الأخضر واليابس وترك في الذاكرة وفي القلب جروحاً لا تندمل، خصوصاً لدى الأشخاص الذين رزحوا تحت ويلاتها. رغم ذلك حرص غايل على أن يضع مسافة للعنف في روايته الأولى ولم يسمح بأن تغرق أحداثها كلها فيه.

*****

(*) جريدة الجريدة الكويتية.

اترك رد