شخصيّة أمين نخلة البورجوازيّة المتأنّقة من خلال أدبِه

elie

إيلي مارون خليل

(أديب وشاعر وروائي وباحث- لبنان)

مقدّمة:

إنّ الشّخصيّةَ، بمفهومها الكَينونيّ الوجدانيّ السّليم، مركَّبٌ، أو مزيجٌ، حَسَنُ التَّآلف، واضحُ الانسجام، صائبُ الهدف، سليمُ الغاية، من مجموعة خصائص، أو مميّزات، مختلفة، متنوّعة، تتّحد لتشكّلَ نَسَقَ حياةٍ وتفكير غايتُهما الارتقاءُ: فرديًّا وجَماعيًّا، ما يُفضي بهذه الشّخصيّة، إلى السّعادة والكمال، إلى أقصى ما يمكن. وتتشكّل هذه الصّفات من قِيَمٍ نفسيّة واجتماعيّة وإيمانيّة وفِكريّة ومعرفيّة وثقافيّة وحضاريّة، إلخ. وبقدْر ما تغزر الصّفاتُ، تغتني الشّخصيّةُ فتَخصبُ وتُخصِبُ وتتفرَّد، وقد تُتَّخَذ مِثالًا. وأيُّ إنسانٍ عاقلٍ يَسعى إلى جمع العدد الأوفر من الصّفات ـ القِيَم، ليشعر بالاغتناء، فيطمئنّ ويسعد.

هذا، وإنّ في الشّخصيّة الفطريَّ والمُكتسَب. ويُعمَل على كليهما لينميا ويتطوَّرا رُقيًّا، فيتجاوز المرءُ ذاتَه، ويتخطّى نواقصَه، مرحلةً في إثر مرحلة، صِفةً فصفة، بحيث يتدرّجُ من أدْنى إلى أسْمى، فتكتنز شخصيّتُه بما يُفيدُ ويُجَوهِرُ، وتغدو أكثر ائتلافًا، وأشَدّ تَرابُطًا، وأوفر انْسِجامًا، وأنفذ إقناعًا، ما يُثبّتُها أغزر إشْراقًا: من نفسها على نفسها، في محيطها وعليه، فإذا هي المستقِرّةُ اطمئنانًا، المستمرّةُ سعيًا، لا إلى انتهاء.

وقد نجد صفة فطريّة، أو ما يَزيد، من غير المستحَبّ، فيعي الإنسانُ ذلك، ويعمل على غَربلة نفسِه، بل نَخْلِها، لتتصفّى، فيسقط ما لا يرغبُ فيه، ويستقرّ فيها المختارُ المُستحَبُّ على الأيّام. أمّا المُكتسَب فمُستحَبّ، أساسًا، لأنّه مُختار.

ونلمح الشّخصيّة، مهما كانت صفاتُها ـ القِيَم، في حياة النّاس، منعكِسةً في تفكيرهم وأخلاقهم وحياتهم وتصرُّفاتهم، كما في علاقاتهم، ومنها نستشفّ النّفسيّة، فنُحِبّها أو لا، فنتقرَّب أو نبتعد.

وعند الأدباء، شُعراء وكتّابًا، تنجلي شخصيّاتُهم من خلال كتاباتِهم. نكتشفُها ونُحلِّلها، ونميّز بين الصّادق وغير الصّادق، وكلاهما أدبُه طريقُ شخصيّتِه وانعكاسٌ لها، كما قد نجد تأثيرَ أدبِه فيها.

وسنرود، في هذه العجالة، كتابَي أمين نخلة: “دفتر الغزل” و”المفكّرة الرّيفيّة”، فقط، لأسباب منها ضرورة الإيجاز وضيق الوقت وضيق المساحة المعطاة لنا، لنحاول اكتشاف شخصيّته البورجوازيّة المتأنّقة وتأثيرها في أدبه، كما لنحاول، أيضًا، استشفاف تأثير أدبِه في بعض ملامح هذه الشّخصيّة.

amin-nakle

أمين نخلة الشّخصيّة االبورجوازيّة المتأنّقة:

ما لا شكّ فيه أنّ ملامح شخصيّة أمين نخلة البورجوازيّة كثيرة في أدبِه، انطلاقًا من حياته: مولدًا وبيئة وتربية وثقافة ونمط حياة.

أمين رشيد نخلة! إذًا، هو أديب ابن أديب. إهتمّ كلاهما بقسمَي الأدب: ألنّثر والشِّعر. نشأ في بيئة عائليّة مترَفة، وطبيعيّة جميلة. فامتزج التَّرَفُ، وما يدور في فضائه من هناءة واطمئنان ورغد، إلخ، بالجمال، وما يدور في فلكه من ألوان وتَنَوُّع وإغراء، إلخ… ما مكّن لهما، معًا، في حياته خُصوصًا في الطّفولة، فالمراهَقة، وهاتان مرحلتان أساس في تكوين الشّخصيّة وتلوين عوالمها. وإنّنا نرى أثر الأمر في أدبه. يقودنا هذا إلى “أناقة” أمين نخلة الأدبيّة، وهي أناقة أُسلوبيّة لافتة. أسلوبيّة، أقول؟ لأنّها تجسيدٌ صارخٌ لـ”بورجوازيّتِه”. والبورجوازيّة طريقة عيش ظاهريّة، لا تُشير إلى جوّانيّة وجوديّة، كِيانيّة، ثَريّة، عميقة. “ألظّاهر” طَفرةٌ موسميّة بشعة، مُضِرّة، تُعالَج، كمرض، فتختفي. “ألجوّانيّ” حياةٌ وجدانيّة، ثابتة، أصيلة، تتطوّر تَقَدُّمًا وثَراءً. مِثالُ ذلك، قصائد “دفتر الغزل” كلُّها! نحن لا نجد فيها عميق معنى، ولا حرارة صورة، إن هي إلّا خلاصة ذاكرة حسّيّة، تأريخيّة، تحاول أن تُبدِعَ فتكرّر معاني سبقت، وصُوَرًا سادت، وكلّها انتشرت، فعلقت في الذّاكرة الّتي استمرّت حسّيّة بعيدة من الإبداعيّة: – قمتُ في الّليل، والعناقيدُ والأكؤسُ نورٌ، وأوجهُ الصّحبِ نورُ(45)

– قرّةُ عيني مُنَعَّمٌ أسمرْ أميرُ حُسْنٍ، سبحانَ مَن أمَّرْ(51)

– زرقةٌ حارت بها ريشتُه فهي من صنعة رسّامٍ أَنيقْ(66) ألسّؤالُ، الآن: بمَ تتّصف أُسلوبيّة هذا الأديب؟ لعلّ إحدى أوضح أوصافِها هي “الخارجيّة”، بما تعني من أناقة مظهر تدور، في عالمه، لفظيّة بديعيّة إيقاعيّة تُبهِج العين، تُطرِب السّمعَ، تُعجبُ الشّمّ، تُطيّب الذّوقَ، تُنعّم الّلمْس. تبقى، إذًا، على مستوى المادّيّة الحِّسّيّة الّتي تنقل لا تفسّر. تُحصي لا تُحلّل. تعدّد لا تنفذ إلى داخل. تصف من خارج، وتبقى على المدخل. تشير لا تُفيد تأثيرًا. مباشرة ولا تأويل. أدب: نثرًا وشعرًا، يرتكز على “صَنعة”، وإن “بارعة”، يبقى باردًا من دون إيحاء! يُضاف إلى ذلك، أنّ هذا النّوع من الأدب فارغٌ وعليل، منطفئ ويابس! لا يلفت، لا يستهوي! وتاليًا مصيرُه النّسيان الأكيد!

تلي ذلك فصاحةٌ مشرقة يرفدُها ذوق مرهَف، مترَف، في حُسن اختيار الكلماتِ، فيُنزلها في منازلها مطمئنّة، فتشكّل، مع مثيلاتها، تعابير جميلة، بعناية مصقولة، تعبيرًا في إثر تعبير، ما يُنتجُ قصيدة منحوتة متكاملة، منسجمة، حتّى ليصعب استبدال لفظة بما يترادف معها. لكنّ معانيها ثلجيّة وحياديّة. تؤدّي هذه الفصاحة الحسنةُ الصّناعة إلى بلاغة، إلّا أنّها ناقصة. فالمعنى ذهنيّ أكثر منه وجدانيّ، من الذّاكرة فوق ما هو من القلب، متوقَّعٌ لا يفاجئ، لا يُدهِش، ولا في الضّرْب من البيت:

بنيتُ وأحبابي بناء مودّةٍ فيا حرَّ صدري كيف أسكنه وحدي…(67)  

فإنّ لفظة (وحدي) منتظَرة، متوقَّعة، لا تُفاجئ، لا تُثير، لا تستدعي إبداعًا، بل ذاكرة.

هذا يقودنا إلى الاستنتاج أنّ أمين نخلة ينتمي إلى مذهب البرناسيّة البرّاقة، الّلامعة، الهزيلة المعاني، يتغلّب بديعها على بيانها، ومعًا على المضمون والعاطفة! إنّها أناقة الفراغ الجميل، أو جمال الفراغ!

amin_nakhle-1

أمين نخلة العاشق البورجوازيّ المتأنّق:

وتبدو، بدايةً، صفة العشق للطّبيعة، ألرّيفيّة خصوصًا، وتاليًا للمرأة. ولكن، كيف تبدو، ولماذا!؟

يتراءى أديبُنا، عاشق الرّيف، محاولًا أن يكون صادقَ العشقِ قويَّه وعميقَه. وها “المفكّرة الرّيفيّة” تنهض دليلًا واضحًا. فريفُه، بالنّسبة إليه، يختصر الدّنيا. وحين هو في بيته، بحديقته وبرْكته ومطفرة مائه، لا يعود يحتاج التَّطوافَ في الدّنيا لأيّما علّة:”يسكن فؤاد أفندي عند حدود الضّيعة، في بلاد الجبل، بيتًا فيه حديقة، وبركة، ومطفرة ماء. فما ترى يعوزه، بعد، ليطوّف كلّ يوم، في مناكب الدّنيا ـ في الحديقة… ويجوب البحار والخلجان في البركة، ويطّلع على خوارق العِلم، وحضارات الحديد في مطفرة الماء!؟” أيّ حُبٍّ هو هذا، لبيته الرّيفيّ!… وهو يُقيم فيه، لا يعود يشعر بحاجة إلى الدّنيا وما فيها من بحار وخوارق علم وحضارات…! إنّه الاكتفاءُ الغنيّ المُغْني. من ثمّ يعرّف قريتَه ببيوتها الّتي هي “جنّة بيضاء في بعض اخضرار، مرفوعة على جنّة خضراء في بعض بياض!” إنّها فصاحة الفكر في فصاحة الكلِم، في إيجاز البلاغة الرّاقية، وهما نتيجة عشقِه بيوت الضّيعة الرّيفيّة، على بَيانٍ وبديع طبيعيَّين بعيدًا من الصّنعة المُستكرَهة. وإنّما حين يكثر من هذا، تبدو صناعتُه، ما يُبعِده عن الوِجدانيّة الصّادقة. أدبٌ ولا صدق!؟ أدبٌ باردٌ لا دفء فيه، ولا وِجدان! ثمّ ينتقل إلى كلّ ما تراه العين من مناظرَ “منمَّقة” وأصوات، حتّى “صرخة الدّيك الملهوف”، و”النّهر” و”دربـ”ـه حيث الفلّاحات ينحدرن “في عشايا الصّيف، ويسلن فوجًا غبَّ فوج”… و”خيمة النّاطور” و”العرائش”… والسّروة الـ”آه”! بعد ذلك يفرد مقاطعَ لما يعشق في الرّيف، كـ”الدّرب” و”خيمة البركة” و”القمح” و”العلاقة الرّيفيّة” و”الزّهرة الآدميّة” و”صلاة العنز” و”الأنهر الشّتائيّة” و”التّفّاحة” و”العنب” و… فإذا به يصف ما يُرى ويُشَمّ ويُذاق ويُلمَس ويُسمَع ويُشعَر به، وتختلط المرئيّات بغير المرئيّات، وتمتزج الحواسّ، فما يُسمَع يُشَمّ، وما يُشَمّ يُذاق، وهكذا على صور رمزيّة مكثَّفة، مختصَرة، حسنة التّوقيع، خصبة البَيان الّذي يريده خلّابًا. ولكن، هيهات! أنّى له ذلك ما دامت “الصّنعة” تطغى على “العفويّة”! إنّ “الصّناعة” الطّاغية على “مفكّرته”، تُبعد الصّدق من عاطفته، ما يجعل حبَّه “نظريًّا”!

إنتقالًا إلى حبّه المرأة، وقد خصّها بـ”دفتر الغزل”، وهو كتيّبٌ تبدأ قصائد الغزل فيه، في الصّفحة التّاسعة عشرة. وما قبلها؟ “صورة لصاحب الدّيوان”، و”بيت ابن الفارض”، و”تصدير لأمير الشّعراء”، و”بين يدَي الدّيوان”، فرسالة “إلى شاعر اليونان”! وهذا، كلُّه، لا علاقة له بشِعر الغزل، فما القول بشِعر الحُبّ، والفارق كبير!؟ وتنتهي قصائد غزله بالصّفحة الثّامنة والسّتّين. فيكون الغزل يمتدّ على تسع وأربعين صفحة، مكوَّنًا من تسع وعشرين قصيدة، ثلاث منها واحدتها من بيتين اثنين، وواحدة، من بين الأشهر:”فم”، من أربع أبيات، ومثْلها اثنتان. أمّا أكثرها طولًا، فـ”بئر السّامريّة”، وتتألّف من ستة وعشرين بيتًا. قد يتراءى أنّه يحبّ الإيجاز، على مذهب الرّمزيّين، يوحون أكثر ممّا يوضحون، يشيرون فوق ما يأخذون باليد. لكنّ إيجازَه ليس ليّنًا ولا عفويًّا. إنّه يتصنّع الإيجاز، ما ينأى به عن الجماليّة، وعن الوِجدانيّة والصّدق.   

وتاليًا، فإنّ هذه القصائد تُظهِرُ، بل تُثبتُ نقيضَ ما يبغي “الشّاعر” إظهارَه، أو إثباته. كيف ذلك؟

يرغب أمين نخلة في أن يقول حبَّه، بحرارة وعمق وصدق. في أن يصوّر حبَّه عبْر الأحاسيس والمشاعر ونبْضِ القلب، وعَبْر تدفُّق الدّماء في الشّرايين… إنّما هذا تلزمُه شخصيّة عفويّة لا يمتلكُها “الشّاعر”. هو يبدأ بقصيدة “الحبيب الأوّل”(19)، ولا يبدو أنّ له غير حبيب، بدليل أنّ الأوصاف والأحاسيس والمشاعر والانفعالات، هي نفسُها على امتداد الصّفحات، وفي ثنايا القصائد كلّها. تبدأ بهذين البيتَين:

أحِبُّكَ في القُنوط وفي التَّمَنّي كأنّيَ منكَ صرتُ وصرتَ منّي

أُحِبُّكَ فوق ما وسعتْ ضلوعي وفوق مدى يدي، وبُلوغ ظنّي…

فماذا فيهما من جديد!؟ وكيف قال ما أراد؟ ألواقع أنّه يُعلن حبَّه منذ الّلفظة الأولى! وهو حبّ كبيرٌ في حالَي الضّجر والأمل، كأنّه و”حبيبه” واحد. يُكمل أنّ حبَّه كبير أكبر ممّا يمكن أن يختزن صدره، أو تمتلك يده، وأبعد ممّا يستطيع خيالُه أن يبلغ! ألجميل، هنا، هو الإيقاعُ لا المعنى، ولا الصُّوَر، لا العفويّة، ولا البَيان. هنا محاولةُ بوح بالحبّ، ولا حُبّ! قولٌ بلا انفعال. يُرضي نفسَه بالإيقاع، بتكرار الفعل: “أُحِبُّكَ” مطلع كلّ من البيتَين. لكنّه تكرار لفظيّ، تقنيّ، إيقاعيّ، لا يُضيف على المعنى، ولا يُزهِر في الخاطر، ولا يُشعِر القارئ بدفء القلب، أو بحرارة الشّوق، أو بألم الحرمان، أو بعمق تجربته وصدقِها.

وفي “أنا وأنت” (36)، يُصرّح، مباشرة، ومن دون تورية:

مطلبي من هذه الدّنيا حبيبُ قلبُه منّي على البُعد قريبُ

هبّتِ الرّيحُ بأشواقي له وانحنى الغصنُ وغنّى العندليبُ…

فماذا قال، جديدًا، في هذين البيتين!؟ لا جديد! وكيف يبدو عشقُه؟ أستبدل بالسّؤال: هل بدا أنّه عاشق!؟ أرى أن لا! هو، كأيّ آخر، يتمنّى وجود حبيب إلى قربه! وقد بدأ يستعدّ لاستقباله، تشاركه الطّبيعة. فلا وصف لشخصيّة العاشق، أو نفسيّته، حتّى ولا حُبّه!  

وفي “الحبيب الأسمر” (51):

قُرّةُ عيني مُنَعَّمٌ أسمرْ أميرُ حُسنٍ، سبحان مَن أمَّرْ…

يُحِبُّني ألفَ مرّةٍ، وأنا أُحِبّه ألف مرّةٍ أكثرْ…

مرّة، بعد: ماذا أضاف؟ يبدو لي أنّ “الشّاعر” يتدرّب على “النّظم”، فيُسقِط على “أبياته” معاني جاهزةً وشائعة، وحروف رويّ صعبة! وفي “اسم الحبيب” (58):

إذا لفظتُ اسمَك الغالي ارتوت شفتي وكنتُ أحسبُها في الماء ما ارتوتِ…

وفي “مرثيّة الحبيب” (54):

ويا نسيمًا مرَّ في حيّنا من صوب أرض الصّحو، ما أضوعك

وفي “ليلة سماع على الرّاديو”(52):

حمّلتم الرّيح صباباتِكم فجفّت الأغصان والماء غيضْ

وفي “العقد الطّويل”(21):

سألتُ له الله أن يهدأَ فقد تعب العقد ممّا رأى

أأتمثّل بعد، أم يكفي ما أوردت؟ أوليس “الشّاعر”، في هذه الأبيات، وسواها الكثير، يستعرض “براعة” و”قُدرةً” على النَّظْم”، تَباهيًا!؟ و… مرّة، بعد، أليست “باردة” هذه “العاطفة؟ إنّما الأصَحّ أن نسأل: أنجد، في هذه “الأبيات”، معاني عميقة، جديدة، مبتكَرة، موحية، نؤوّلها!؟ أو عاطفة لنتساءل حولها، وحول صدقها وعمقها وغناها!؟ أو صورة بَيانيّة نركّز في نوعها وميزتها، ونستجلي أهمّيّتتها وقُدرتها الإيحائيّة…!؟ فلم يبقَ إلّا الأسلوب، وهو لباسٌ، أو قشرةٌ خارجيّة لمّاعة!

amn-jnakhle-2

خاتمة:

من المعروف، والعامّ الشّائع، أنّ الأسلوب إنتاج الشّخصيّة. وهو، بالنّسبة إلى الأديب، كما العطر بالنّسبة إلى الزّهرة. لكلّ زهرة عطرُها الخاصّ يميّزها من غيرها، ولكلّ أديب، شخصيّتُه وهي، أيضًا، تميّزه من سواه. وكما للزّهرة إطارها وتُربتُها ومُناخُها الّتي تؤثّر في تكوينها: حجمًا ولونًا وعطرًا… كذلك للأديب بيئته وتربيته وأجواؤه وتوجيهاته وثقافته الّتي تؤثّر في تكوين أدبه، نثرِه والشِّعر، موضوعًا واتّجاهًا ومذهبًا وأسلوبًا. ومن جهة أخرى، قد يكون للأدب أثره في الشّخصيّة. قد يفكّر في أنّ جمال الأدب يقتضي صفات محدَّدة في الشّخصيّة، فيأخذ في العمل على الأخذ بها. وهكذا تتسنّى معرفة الوجهتين: تأثير الشّخصيّة في الأدب، وتأثير الأدب في الشّخصيّة.

قبَيل الختام يبرز هذا السّؤال: أوَليس الأسلوب ثوب الفكر، أو المعاني؟ وتاليًا، ألا يكون الأسلوب ثوبا جديدًا للمعاني الجديدة، كما للصُّوَر!؟ وما قيمتُه إذا لم يحمل جديدًا؟ أو هل يمكن للأسلوب التقليديّ القديم أن يقول جديدًا؟

ألواقع أنّ أمين نخله أنيق الأسلوب، على جدّة، لكنّه لا يقدّم المعنى الجديد، ولا الصّورة الجديدة، ولا العاطفة العميقة الخصبة. فهو متأنّق أكثر منه أنيقًا. متجمّل أكثر منه جميلًا!

هذا، ولا يسمح المقام بالاسترسال. نوجز: أمين ينقل “خبر” حبّه للرّيف وللمرأة، يُخبر أنّه “يُحبّ”. لكنّه لا يصف حبَّه، ولا يحلّله. وإنّي لا أصدّق أنّه “عاشق”! كأنّما هو يريد أن يكون “عاشقًا”. أُنهي: أمين نخلة باردُ العاطفة، قصائده الغزليّة منحوتات رخاميّة كاملةُ القوام، تنقل شكلًا لا مضمونًا، إيقاعًا لا عاطفة!

                                     ****   

www.eliemarounkhalil.com             

e-mail: elie.khalil@hotmail.com       

اترك رد