أحيا الفنان اللبناني عاصي الحلاني ثالث حفلات «مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية» في دورته الخامسة والعشرين التي تعقد في «دار الأوبرا» القاهرة حتى 13 من تشرين الثاني الجاري، حيث تم تكريم الحلاني لمسيرته «الفضية» ايضاً (25 عاما)، ولدوره في الحفاظ على الهوية العربية الأصيلة، فكان التكريم بمثابة تكريم للفن اللبناني.
كان الجمهور يتوافد بكثافة أول من أمس الى قاعة «المسرح الكبير» في «دار الأوبرا»، قاصداً امسية الفنان اللبناني الذي بات له مكانة مرموقة لدى الجمهور المصري، وهذا ما ظهر خلال أدائه لأغنياته اذ قدم مجموعة من أغنياته التي اشتهرت خلال مشواره الذي امتد على مدى 25 عاما، لذا اعتلت إيناس عبد الدايم رئيسة المهرجان المسرح اثناء غناء الحلاني وسلمته درع اليوبيل الفضي للمهرجان،
اكثر ما برز في امسية الحلاني، ما لمسناه من تغير في الذوق العام للجمهور المصري، وبشكل خاص جمهور دار الأوبرا ومهرجان الموسيقى العربية بالذات، اذ تميزت الامسية بأجواء الود المتبادل ما بين الحلاني، والجمهور الذي أبدى تفاعلاً كبيراً مع الفنان، بعد ان سجل حضوراً في مصر منذ سنوات قليلة في امسيات غنائية وفي عدة مناسبات، لذ بدا ان الجمهور اعتاد، بل وأحب الحلاني، سواء عبر اغنياته المتنوعة او طريقة أدائه التي تحمل الكثير من خفة الظل، الميزة التي يتميز بها المصري ويعشقها، حيث رافقه الجمهور في معظم أغنياته مثل «جن جنوني«
و»بالعربي» و»وانا مارق مريت» و»مالي صبر ياناس» و»يا ميمة جنب الخيمة» وغيرها، اضافة الى بعض الاغنيات القديمة عرفت باصوات لبنانية قبل الحلاني مثل «»بحبك وبغار» واغنيته «قولي جايي بعيّد أنا»، وغيرها، واستحضار اجواء الدبكة اللبنانية، التي يجيدها و(العرض المفضل) لدى الجمهور مع الطبل الكبير، ورقص الحلاني على وقع ايقاعه في حركات متناغمة برفقة العازف واعتقد شيئاً ما هذا مشهد جديد ومحبب في مصر اليوم.
كما ان المواويل باتت جزءاً من أداء الحلاني ويعشقها جمهوره في مصر ايضاً، منذ أن برز ميله نحو استلهام الطريقة العراقية في غنائها حيث الشجن المعروفة به، واستعارة بعض نغماتها ومقاماتها مثل (اللامي) ذات الخصوصية العراقية، التي اشتهرت مع كثيرين وعلى رأسهم ناظم الغزالي، الذي استعار منه الحلاني في الامسية موال «له خالٌ على صفحات خدٍ»، من دون التقيد الحَرفي بالأصل، كما استعار بعض من الموال الشهير للمطرب العراقي الراحل فؤاد سالم، «اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه». كما غنى الاغنية العراقية الشهيرة منذ سبعينات القرن الماضي «أنا يا طير ضيّعني نصيبي» والتي طالما يذكر (كما في بروشور الامسية المذكورة) بأنها فولكلور عراقي، ونحن طالما أرسلنا للفنان مبلغين إياه إن الاغنية ليست فولكلور، بل هي من كتابة ولحن محمد جواد أمّوري أحد أبرز ملحني ومطربي حقبة الستينات وصولا الى الثمانينات في العراق. وهي ليست المرة الاولى التي ينكر فيها الحلاني اسم صاحب الاغنية العراقية، فسبق ان غنى اغنية للفنان فاضل عواد بعنوان «لو أدري هيج يصير» ولم يذكر صاحبها، ولا نعرف سبب اخفاء هكذا حقائق من قبل فنان قدير له اسمه وتاريخه. وبعد انتهائه من غناء «أنا ياطير» العراقية، قال: «قدمنا لكم فولكلورنا»، هو يعني الفلكلور اللبناني، لأنه قدم الدبكة اللبنانية فيها برفقة عازف الطبل.
أغنيتان نالتا إستحسان الجمهور، «كبيرة يا مصر» و «ست الستات» وهما من تأليف غانم جاد شعلان ومن ألحان الحلاني، في الاولى في ححب مصر وذكر مزاياها وحب العرب لها والثانية تتغزل بالمرأة المصرية التي دمها «شربات» ولا يعلو على سمارها وجمالها جمال وخفة ظل وغيرها من ميزات محببة استمالت الجمهور الذي غلب عليه الحضور الانثوي.
غنى الحلاني قصيدتين باللغة العربية الفصحى، الأولى «أيقونة العرب»من تأليف توفيق درويش، ولحن نقولا نخلة، وهي المرة الأولى التي نسمع فيها القصيدة، والثانية لنزار قباني ولحن الحلاني بعنوان «القرار» قال انه غناها قبل عشرين عاماً، ويبدو انه لم يكرر غناءها كثيراً خلال هذه السنوات، وبرأينا فإن القصيدة (الثانية) جاءت ضمن تلك الفورة، التي سبّبها كاظم الساهر حين جاء بزخم قصائد نزار قباني وألحانه لها وغنائه، ليتلقّفها الجمهور بشغف غير مسبوق، لذا حاول العديد من المطربين غناء القصائد يومها. وللأمانة الواقعة على عاتقنا، فإن عاصي الحلاني بغنى عن غناء القصائد الفصحى، لأنه يتلكأ عند إيقاع «الوحدة الطويلة» والبطئ، اذ اعتاد الايقاعات السريعة من مقسوم ومصمودي وايقاعات الدبكة عموماً، وهذا ليس عيباً بل خاصية وعادة، فليس من الضروري أن يغني المطرب كل الأنماط الغنائية، بل الأهم إتقان الأنماط التي يغنيها، فلكل مطرب خصوصية معينة وميزة تميزه في هذا القالب عن غيره من القوالب وعن غيره من المطربين.
ووفاء للكبار لم ينس توجيه تحية لهم مثل الراحل وديع الصافي اذ غنى له موال «من هون نحنا يا بشر» واخيراً تحية لروح الراحل عبد الحليم حافظ الذي اختتم بمقاطع من اغنيات «سواح»، «ميل وحدف منديله» و»أحلف بسماها وترابها» وهي من أيقونات الفنان الراحل، أعادت تجييش الأحاسيس والمشاعر نحو الوطن، والكل يردد «تحيا مصر».
*****
(*) جريدة “المستقبل” 8 نوفمبر 2016