إلى إقامة في ملكوت الذاكرة… دمعة على رحيل ملحم بركات

nouhad hayek

نهاد الحايك

(شاعرة- لبنان)

دمعة على الألحان التي لم يُتَح له قطافُها

دمعة على وطن لم ينهض قبل رحيلِ عاشقِه

دمعة وحرقة لأن الموت لم يكن انطفاءً بل خطفٌ وغفلة

و”كنا مفكرين بعد بكير”…

أعترف أنني كنت أنزعج من تصريحاته وجموح مواقفه وأسلوب تعبيره في الأحاديث، المناقض تماماً لجمال أعماله الغنائية المحلِّقة في فضاءات الإبداع، التي كانت وستبقى تغزو القلب والفكر والوجدان غزواً رائعاً مرحَّباً به.

كان يصعب عليّ أحياناً الفصل بين الجانبين، فيطغى الإنسان على الفنان.

وإذ بحبي لهذا المبدع وانبهاري بإرثه الفذ، قد تَجرَّد من كل الشوائب حينما غادر الجسد مساره الفاني. وانهمرت دموعي حزناً على الفارس التي سقط حصانه،

وحسرة على اللآلئ التي ظلت كامنة في أعماق بحر إبداعه ولم يُؤتَ اصطيادَها.

لم تعد تعنيني تلك الشطحات، لا الكلامية ولا السلوكية، ولا يجب أن تعني أحداً، فسوف يفعل بها الزمن فعله، ستقع في مصرف النسيان ويصفو الجوهر.

والجوهر هو الجمال الذي مَلَك ملحم بركات مفتاحه.

ستظل أغانيه، شعراً ولحناً وصوتاً، عصية على الزوال، تحفاً مكتملة الجمال لا تشوبها شائبة، لا يعيبها سلوك، ولا تلطخها إساءة. فاكهة من حدائق الله.

ما من إدراكٍ أسطعُ من إدراك مدى الجمال الذي أنتجه، إرثاً نتكئ عليه وثروةً ننهلُ منها في أيامنا العجاف.

ملحم بركات ينعم بمجد الأثر الذي لا يزول.

نعمةٌ خُصَّ بها، مفتاحٌ إلى حدائق الجمال،

كان له أن يقطف منها تحفاً ضمدت اكتئابنا،

رفعَتْنا من انكساراتنا وسكبت على حياتنا الرونق والمتعة.

أمير على عرش القلوب، صنع تاجه نغمة نغمة، كلمة كلمة، فكرة فكرة،

ورصعه برماد الألم والخيبة وحجارة الحلم والتوق.

أكاد أقول إن روح المبدع قد تتردد بين سكنى جنان الله وسكنى قلوب الناس.

وأسأل: تُرى مَن يسكن القلوب يملك روحين؟

روحٌ تُفارق، وتتوق إلى ملكوت الخالق،

وروحٌ لا تفارق، تستقر في الوجدان وتتوق إلى إقامة أبدية في ملكوت الذاكرة؟

melhem-barakat-112

اترك رد