“لم نعد وحدنا في العالم، النظام الدولي من منظور مغاير” لبرتران بادي إلى العربية ترجمة جان جبور

                      jean-jabbour-1    badie

عن مؤسسة الفكر العربي صدر كتاب برتران بادي “لم نعد وحدنا في العالم، النظام الدولي من منظور مغاير”، ترجمه الى العربية الدكتور جان جبور.

في هذا الكتاب يستكمل بادي، وهو من أهمّ الباحثين في العلاقات الدولية، المشروع الذي بدأه سابقاً في تفكيك النظام الدولي الحالي ونقده، وكانت الحلقة الأخيرة في كتابه الشهير “زمن المذلولين” (2014). يرى الكاتب أن العالم الأوروبي اخترع، منذ عصر النهضة، نظاماً دولياً لا نزال جميعاً الى اليوم ورثته ووكلاءه. ولكن، في الوقت نفسه، كان يتمّ بلورة وبناء هذا النظام الدولي كنظام مقفل، كنادٍ منغلق على ذاته وغير قادر على التفكير في من هم خارجه، ولا التفكّر بالطبع بالعولمة الآتية. هذا الانغلاق كان مفهوماً في زمن كانت فيه الاتصالات بين القارّات محدودة جداً، لكنه سرعان ما أفضى الى كل التجاوزات، سيما الى هذا الاختراع المريع لفكرة العالمية التي قادت الى تقييم الآخر فقط من خلال تماثله المتدرّج مع صورة الأوروبي. في أعقاب ذلك، تمّ ارتكاب كل التجاوزات : الاستعمار، هرمية الثقافات، معايير حضارة متفوقة، ويبقى في النهاية عدم القدرة الهائلة على تقبّل الآخر.

تعقّدت الأمور بسرعة كبيرة في القرن العشرين، إثر عملية إنهاءٍ للاستعمار عنيفة وفاشلة، واتّباعٍ قسري في البلدان التي نالت الاستقلال لنموذج غربي للدولة لا يتطابق مع تاريخ تلك البلدان، ما أدّى بالتالي الى المزيد من التسلّط وإحلال حاكمية عالمية لم يطرأ عليها أي تحسين تقريباً، قامت بكل بساطة باستبعاد قارّات بأكملها. في غضون ذلك، أتت العولمة لتسرّع كل شيء، وتضخّم كل شيء، وصولاً لاستثارة أشكال مأساوية من العنف الدولي. وها نحن اليوم ندفع الثمن !

للخروج من هذه الدوّامة العقيمة والخطيرة، يقترح بادي الالتفات الى الدبلوماسية بشكل أساسي للعمل على تطويرها وإصلاحها. نبدأ أولاً بوضعها على السكّة الصحيحة، والتحدّث الى الجميع، والنظر اليها لا كأداة للعقاب، أو لتعزيز الذات أو للخطابة، وإنما لإدارة الأزمات. إنها تقنية الطوارىء التي لا يجب أن تستجيب الى أية عقلانية سوى تلك التي تهدف الى الانكباب على التوتّرات من أجل الحدّ منها. إن مهمتها أيضاً تكمن في إحياء التفاوض الذي نرى مساحته تتقلّص على مرّ الأيام. وفيما يعود للعولمة، عليها أن تقوم بالإعلان عن تكافوء المصائر البشرية، وعن حق الجميع بالتساوي في المشاركة في حُكم العالم، وإصلاح نظام اجتماعي عالمي يعاني من تفاوتات اجتماعية-اقتصادية ظاهرة للعيان أكثر فأكثر، وهي أصبحت غير محتملة، وبالتالي فإنها تتّسم بالخطورة، والتركيز على المُلكيات المشتركة، الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، التي يتوقّف عليها بقاء الكوكب، والتي  تتعرّض للانتهاك من قبل الأنانيات الوطنية التي تتستّر تحت الشعار المحبّب “الدفاع عن المصالح السيادية”.

guilaf-jabbour

أما المنحى الأهم فيتمثّل بسياسة القبول بالآخر التي يحتاجها العالم، وهي ليست خيالية ولا هي فعل إحسان. إنها تفترض أولاً إعادة تحديد السيادة وتجديدها، لأنه لم يعد بوسعها في زمن العولمة أن تكون مرادفاً للانغلاق والانطواء، وإنما يجب أن تتجسّد بالمطالبة بحق كل دولة في المساهمة بشكل متساوٍ في بلورة مفهوم العولمة. إنها تنطوي على وضع حدّ نهائي لأي شكل من أشكال التدخّل من جانب واحد. عليها أن تعيد الاعتبار للفاعل المحلّي والفاعل القريب الاجتماعي والسياسي، كي يتمكّن من ممارسة حقه كاملاً في المشاركة في إدارة الأزمات التي تعصف به. إنها تتطلّب تفعيل المعالجة الاجتماعية للأزمات في مواجهة هذه الحروب الجديدة التي تنشأ من التفكّك الاجتماعي والمؤسساتي أكثر من التنافس القائم على القوة، والذي لا تستطيع الأدوات العسكرية التقليدية التأثير فيه بأي شيء.

إن سياسة القبول بالآخر تستند في نهاية المطاف الى فرضية المنفعة. وهي قد تجد صدى لدى الفاعل السياسي لأنها تتيح له توفير إمكاناته، والحدّ من التكاليف المقدّرة بمئات مليارات الدولارات التي أُنفقت منذ نهاية الحرب الباردة من أجل تمويل تدخّلات عسكرية لم تحقّق أياً من أهدافها. إنها تتيح له أيضاً في وجه المخاطر التي تُحدق بالمستقبل أن يضمن بفعالية أكبر احتواء العنف الذي يهدّد الغد، وأن يعيش على سطح كوكب يمكن التحكّم به. وحده هذا السلوك يمكن أن يضمن عالماً قائماً على الاستقرار. إن سلامة كل فرد الآن ترتبط بسلامة كل الآخرين، وأصبح من الوهم النظر الى الأمور من خلال الأسوار والحصون. فحين نعمل على تأمين الأمن للآخر، نكون نعمل على تأمين سلامتنا الخاصة. لكن أمن الآخر لا يمكن الوصول اليه إلا من خلال الاحترام الذي نكنّه له وامّحاء الذات الذي نُظهره له. إن عالماً يرغب في العيش بسلام لا يمكنه بلوغ ذلك إلا على مستوى شامل، ومن خلال الاعتراف الكامل بالآخر.

book-vector-112

برتران بادي

أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس. صدر له العديد من المؤلفات التي تُعتبر مرجعاً في العلاقات الدولية، وقد تُرجم معظمها الى اللغة العربية. من آخر إصداراته : “دبلوماسية التواطوء” (2011)، “الدبلوماسي والدخيل” (2008)، “عجز القوة” (2004، أُعيدت طباعته 2014)، “زمن المذلولين” (2014).  شارك في تحرير “الموسوعة العالمية للعلوم السياسية” (2011).

 جان جبور

أستاذ في الجامعة اللبنانية، باحث ومترجم. له عدة مؤلفات، من بينها : “الشرق في مرآة الرسم الفرنسي”؛ “النظرة الى الآخر في الخطاب الغربي”؛ “معجم المنجد الفرنسي-العربي الكبير”.  كما له أكثر من عشرين كتاباً مترجماً، من بينها: “الخوف من البرابرة” لتزفيتان تودوروف؛ “مذكرات جاك شيراك : كل خطوة يجب أن تكون هدفاً”؛ “أطلس العولمة” لماري-فرنسواز دوران وبنوا مارتان؛ “الإسلام ولقاء الحضارات في القرون الوسطى” لدومينيك بارتيليمي ؛ “زمن المذلولين، باتولوجيا العلاقات الدولية” لبرتران بادي.

****

كلام الصور

1- جان جبور

2- برتران بادي

plume-vector-png

 

اترك رد