ندى بوحيدر طربيه
(كاتبة-لبنان)
ما إن انتهت حفلة انتخاب ملكة جمال لبنان التي تابعها المشاهدون على شاشة التلفزيون حتّى انهالت الإنتقادات والتعليقات الجارحة والقاسية من كلّ صوب، وكانت أبرزها التعليق على إجابات المشتركات بعد طرح الأسئلة من قبل لجنة التحكيم.
واتحفنا الجمهور بالتنظير والمواعظ والاتهامات حول الجمال والثقافة والقدرة على الإجابة وسرعة البديهة والذكاء، والمعرفة، ألخ.
ويبقى السؤال المطروح: أليست تلك المشتركات عيّنة من المجتمع اللبناني بأسره؟
ألم نشهد مثل تلك الإجابات في معظم حفلات انتخاب الجمال ( الشباب كما الشابات)على مرّ السنين؟
ما أسباب هذا التلكؤ والضعف والفراغ في الإيجابات؟
هل نحن مجتمع مثقّف برمتّه؟ هل نحن ننشئ أولادنا على ثقافة القراءة والمعرفة؟
هل الثقافة هي وصفة سحريّة جاهزة نستحضرها يوم حفلة ما أو انتخاب ما أو منبر ما؟
أليست الثقافة وليدة سنين طويلة ومسار حياة ومجهود مبذل يسلكه الإنسان منذ الطفولة عبر التربية ويرافقه مدى العمر ويصبح جزءا من ذاته كالمأكل والعمل والراحة والنوم؟
إن كان معظم مقدمي أو مقدمات البرامج على الشاشت يفتقرن للثقافة المطلوبة وهم مرآة المجتمع من خلال الإعلام، فلم العتب على مشاركات يمرّنّ مرور الكرام في مسابقة جمالية؟!
لِمَ تحميل الذنب إذاً لمشتركين أو مشتركات هم جزء من مجتمع لبناني ويتقنون أقلّه لغات ثلاث ويتفوّقون بالتحصيل العلمي …لكنّهم يفتقرون للثقافة؟!
لمَ الأهل لا ينمّون لدى أولادهم روح التفوّق على ذاتهم الضعيفة بدل تنمية روح التفوّق على إبن الجيران في العلامة المدرسيّة؟
لمَ المناهج التربويّة والمدارس لا تعطي الفرصة لإبراز شخصيّة الطالب، لاعتلاء المنابر، للتعبير عن ذاته، لاختيار ما يحبّ، للدفاع عن حقّه، بدل أسلوب القمع والحشو ووضع نصب عينيّ الطالب علامة المواد؟!
هل ندرك الخيط الرفيع الفاصل، في تربيتنا، بين التهذيب والعبوديّة، بين الإحترام والذلّ، بين التنشئة على الصمت والخنوع وامكانيّة الحوار والتعبير والثقة بالنفس؟
نلاحظ في حفلات انتخاب ملكات الجمال على الصعيد العالمي ثقة مبهرة في الإجابات تغطي احيانا ضعف الثقافة والمعرفة، لكنّها تدعم موقف الشابة المشاركة بشكل كبير.
في المقابل، نطرح سؤالا معاكسا، لما عساه الشاب (أو الشابة اللبنانيّة) يقرأ الكتب ويرتاد الصالونات الثقافيّة التي لا تؤمّن له معيشة كريمة في مقابل وجود اساليب اكثر مرونة لتأمين لقمة العيش في الفنّ والإعلام حيث لا قيمة لما يعرفه بقدر قيمة ما يقدّمه من استعراض مشهدي سخيف؟
للأسف مجتمعنا تحكمه الصورة التي تحصد ملايين اللايكات في حين لا يحصد مقالا ادبيا او علميا سوى لايكات محدودة.
نحن ننشئ جيلا روبوتيّا تحكمه المظاهر والسيارات والمطاعم والملابس والهواتف أحدث اصدار والمال ثمّ المال، تلك النظم الجديدة التي ابعدتنا كلّ البعد عن معرفة ذاتنا، فتُهنا بين ما نحن عليه وما نريد إظهاره، تُهنا في ماضينا العريق ونسينا بناء المستقبل! فكانت النتيجة عدم! من المذنب؟ المجتمع بأسره مذنب! الزَيْف في داخلنا مذنب!