حُبُّكِ الآتِي إِلَيَّا!

مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(أديب وشلعر وروائي وناقد- لبنان)

maurice najjar

حُبُّكِ الآتِي إِلَيَّا، دَفْقَ سِحرٍ فِي يَدَيَّا

أَقطِفُ الأَنجُمَ مِن مَلقَاهُ، وَالدُّنيَا لَدَيَّا

كُلَّمَا رَاحَ يُنَاغِينِي أَرَانِي فِي الثُّرَيَّا

تُصبِحُ الأَرضُ مَدَى نَوْرٍ، وَدَمعُ الفَجرِ رِيَّا

وَيَصِيرُ النُّورُ لِي تَاجًا، وَوَشْيُ المَرْجِ زِيَّا!

woman-vector-111

***

جَاءَنِي.. وَالدَّهرُ يَختَالُ عَلَى رَوضِي عِتِيَّا،

وَأَنَا أَلجَمتُ أَفرَاسِي، وَأَخرَستُ الدَّوِيَّا،

ثُمَّ أَلقَيتُ، مَعَ اللَّهفَةِ، رُمحًا سَمهَرِيَّا

أَنَا يَا حَسنَاءُ كَم عَربَدَ كَرُّ العُمرِ فِيَّا

زَادَنِي وَقْرًا عَلَى حِلْمِي، وَأَذوَى وَجنَتَيَّا

ثُمَّ أَلقَى بُرْدَهُ البِيْضَ، بِلَا رِفْقٍ، عَلَيَّا،

لَم يَسَلْنِي فِي شَبَابِي الغَضِّ، أَو كَانَ حَفِيَّا

بَيْدَ أَنِّي لَم أَزَلْ أَهتَزُّ مَا بَانَ شَهِيَّا

ذَلِكَ الكَانَ إِذَا هَلَّ استَحَالَ اللَّيلُ ضِيَّا

وَأَنَا.. إِنْ دَلَّتِ الغِيْدُ لَتَعرُونِي الحُمَيَّا

وَلَأَبقَى نَاصِرًا لِلحُسنِ، تَوَّاقًا، وَفِيَّا

فَلَقَد أَودَعتُ شَوقِي لِلصِّبَا رُكْنًا خَفِيَّا

صَدَّ عَنِّي صَوْلَةَ الأَشرَاكِ، وَاختَالَ عَصِيَّا

فَبِأَضلاعِي هَوًى أَذْكَى الجَوَى فِي مُقلَتَيَّا

فَإِذَا لاحَ لِوَاءُ الحُسنِ شَدَّيتُ المَطِيَّا

وَاستَقَلَّيتُ، عَلَى حِلْمِيَ، حُلْمًا شَاعِرِيَّا…

فَذَرُونِي فِي ضَلالِي، وَاتبَعُوا السَّمْتَ السَّوِيَّا

لَستُ فَرِّيسًا(1) مَعَ الحُبِّ، وَمَا كُنتُ الغَوِيَّا،

وَسَأَبقَى، إِنْ دَهَاهُ الجُرحُ، ذَاكَ السَّامِرِيَّا(2)…

woman-vector-111

***

مَركَبٌ صَعبٌ، وَفِي الإِبحَارِ قَد أَغدُو شَقِيَّا

وَيَقُولُونَ ارتَمَى غَيًّا كَمَن كَانَ صَبِيَّا

عَاذِلِي.. لَولا أَتَاكَ العِشقُ، مِغْنَاجًا، نَدِيَّا

حِينَ يَغزُو اليَبَسُ القَاصِمُ أُملُودًا طَرِيَّا

هَل سَتَبقَى فِي حُصُونِ الصَّدِّ جَبَّارًا، أَبِيَّا،

جَاهِلاً إِيمَاءَةَ الأَهدَابِ، وَالعَرْفَ الزَّكِيَّا؟!

woman-vector-111

***

يَا نَجِيَّ العَقلِ إِن كُنتَ بِلَفْحِ الوَجْدِ شَيَّا،

صَامِتًا كَالحَجَرِ الأَخرَسِ، مَذهُولاً، غَبِيَّا،

سَوفَ تَنمُو كَجَرَادِ الأَرضِ، لَكِن لَيسَ حَيَّا

وَسَتَبقَى فِي عُيُونِ المُشتَهَى غِرًّا، دَعِيَّا

“فَارِغَ الكَّفَّينِ”(3)، عِندَ الجَنْيِ مَخذُولاً، بَكِيَّا..

woman-vector-111

***

يَا رَفِيقَ الدَّربِ تَطوِينَا، تَبَصَّرْ يَا أُخَيَّا،

خَفِّفِ الغَلوَاءَ، خَفِّفْهَا، وَعُبَّ السِّحرَ رَيَّا(4)

أَتُرَى قَد حُزْتَ غَمْرَ الحِكمَةِ الكُبرَى مَلِيَّا،

أَمْ تُرَى قَارَبتَ سُقرَاطًا، وَجَاوَزتَ عَلِيَّا(5)؟!

مَا لَنَا أَن نُرجِئَ التَّيَّارَ، أَو نَنسَى المُضِيَّا،

وَهُنَا، فِي الأُفْقِ، صَوتٌ صَارِخٌ: يَا قَوْمُ هَيَّا!

فَأَفِدْ مِن عُمرِكَ الهَارِبِ مَا دُمتَ قَوِيَّا

فَنَضِيرُ الوَردِ لَن يَبقَى مَدَى الدَّهرِ شَذِيَّا

وَالمُحَيَّا الغَضِّ فِي تِشرِينَ لَن يَبقَى مُحَيَّا

بَعدَ أَن تَمحُو الغُضُونُ السُّمْرُ مَا كَانَ بَهِيَّا

وَنَرَى الأَقرَبَ لِلحَالِ دَوَاءً، وَجَفَاءً، وَعِصِيَّا!

woman-vector-111

****

(1): الفَرِّيسِيُّون هُم جَمَاعَةٌ مِنَ اليَهُودِ شَدِيدُو التَّمَسُّكِ بِالتَّقلِيدِيَّاتِ وَشَعَائِرِ الدِّيَانَةِ وَطُقُوسِهَا، الوَاحِدُ مِنهُم فَرِّيسِيٌّ. (مُعجَم “مُحِيطُ المُحِيط” لِلمُعَلِّمِ بُطرُس البُستَانِي، بَابُ فَرَس)

 (2): إِنجِيل لُوقَا، مَثَلُ “السَّامِرِيِّ الصَّالِح”، الآيَات (30-37).

 (3): مُتَرَسِّمِينَ بِهَذِهِ العِبَارَةِ الشَّاعِرَ خَلِيل حَاوِي، فِي قَصِيدَتِهِ “الجِسْر”.

 (4): الرَّيَّا: العَبِير.

 (5): هُوَ الإِمَامُ الحَكِيمُ عَلِيّ بنُ أَبِي طَالِب.

اترك رد