أنطوان السبعلاني
(نقيب المعلمين سابقاً- لبنان)
-1-
في موسم انتخاب ملكة جمال لبنان، عاماً بعد عام، تهجم عليَّ ذكريات كثيرة، جراءَ مشاركتي،أيام زمان،في أكثر من انتخاب كعضوٍ في اللجنة التحكيمية لهذه الانتخابات، وتحديداً، في محافظة الشمال، كون هذا الاستحقاق مع الجمال، كان بدايةً على مستوى المحافظات، ثم الى الاحتفال المركزي في بيروت لتتويج ملكة جديدة للبنان.
و كان صديقي،الصحافي منيف رستم، معتمداً احتفالات الشمال بتكليف من ريمون لوار، رئيس اللجنة الوطنية لانتخاب ملكة الجمال، وكان منيف يصر عليَّ، بلطفه المعروف، أن أكون في عداد أعضاء اللجنة في العديد من الانتخابات هذه.
في بالي الساعة سهراتٌ في طرابلس،اهدن،سير الضنية،شكا، سبعل…
وفي بالي اعتراضنا على واسطة من هنا،وعلى صداقات مميزة لبعض أعضاء اللجنة،مع أهل هذه، أو تلك من المتباريات فضلاً عن المتاجرة باسم أهل النفوذ،والحكم…
وذات سهرة كان الاحتفال في أحد الفنادق الجميلة،وكان عن يميني صحافي صديق،وعن يساري سيدة مجتمع معروفة،وإذا بها تقول مباشرة للصحافي: سننتخب فلانة لأن المسؤول الكبير، فلان، يريد ذلك.
فقلت لهما: والله “بعمل” أكبر مشكل إذا… وكانت المفاجأة الكبرى أن الجمهور المؤمن بالجمال وحده، راح يصرخ باسم مرشحة بعينها، وراح يصفق لها كيف مالت، وراحت اللجنة تصفق لها بكلتا اليدين…
وأذكر أننا لم نصوِّت لأن من الجمال ما لا يسمح لك بتقويمه.
وأذكر أيضاً أن ملكتنا هذه انتخبت ملكة جمال لبنان لتلك السنة.
والجمال ليس سهلاً تحديدُ أسبابه. فذلك يفرض عليك ثقافة جمالية واسعة،وذوقاً رفيعاً،وإحساساً عالياً جداً،بتموجات هذا الجمال.
والجمال في نظر أرسطو هو التناسقُ في الأجزاء.
ويقول الفيلسوف الفرنسي باسكال:
” لو كان أنف كليوبترا أطولَ بعضَ الشيء فربما كان تغيَّر وجه العالم”…
ويقول القائد انطونيو، مستغفراً روما،بمسرحية كليوبطرا،لاحمد شوقي:
لولا الجمالُ، وفتنةٌ من سحرِهِ ما حَلَّ في قلبي هوىً لسواكِ
كل هذا لنقول:
ما أعظمَ سلطةَ الجمال!
وما أصعبَ تحديدَه!
-2-
أواخر الستينات دُعيت الى حفل انتخاب ملكة جمال لبنان في اوتيل فينيسيا، بيروت .
وقدمني صديقي منيف الى ريمون لوار مثنياً عليَّ.
قال لوار: انا لستُ راضياً كثيراً عن لجنة التحكيم الليلة.
قلت:أنت مسؤولٌ عنها كونك انت عيَّنتَ أعضاءها .
وأخذتِ السهرة تتقدم على وقع الموسيقى، والرقص، والمتنوعات، وصولاً الى الهدف المنشود.
شربت غيرَ كأس من الويسكى وسط هذا المناخ الحافل بالجمال والأناقة…
وحان وقت تقديم المتباريات في لقطات متنوعة لكل منهن:بثوب السهرة، وبالمايوهات، وصولاً الى حصر المبارزة في خمس منهن.
وكانت التصفية، وشد الاعصاب، ولحظات طويلات في انتظار النتائج…
وقال مقدم البرنامج بصوت عالٍ:
الوصيفة الثانية؟ مرسيل حرُّو…
فتقدمت على المنبر،على شفتيها بسمة ممزوجة بالدموع الدفينة،وعلى انكسار جمال آمر…
قالت الطاولة المجاورة لنا:مسكينة مرسيل فقد ظلموها…
سألت:من ظلمها،و لماذا؟
قالوا:اللجنة بسبب عدم مجيئها الى عرض المايوهات. قالت لها تشاركين في الانتخاب بشرط ان نضع لك سقفا وهو الوصيفة الثانية كأعلى مرتبة…
قلت:هذا عيبٌ، وليس للجمال سقف. إما أن تقبل في المباراة،او أن ترفض كلياً. وهجمت عليَّ انتخابات السنين الماضية التي عشتها، وهجم كلامُ رئيس اللجنة غير المسؤول، وإذا بي بعد تسمية الملكة،اعتلي المنبر، وآخذ في خطاب ناري مدافعاً عن حرمة الجمال، وحرمة بنات بلادي المشتركات. وإذا فجأة تقلب الطاولة أمامي، ويهجم صوبيَ “شبيحة” الحفلة، فيهجم عليهم صديقي، وزميلي انطوان بركات، وإذا رجال الأمن، وإذا الجمهور المالىء القاعة الكبرى في خوف، وهرج ومرج، وهرب في كل اتجاه…
وانتهى هنا، وهكذا الاحتفال.
وفي اليوم التالي كانت الصور تملأ صفحات الصحف…
وأهم نتيجة لهذه “المعركة ” التي افتعلتها “مافيا” تلك الانتخابات كانت أن وضعت الدولة يدها على استحقاق الجمال،وتسلمت وزارة السياحة زمام الامور.
هناك أمر واحد ما زلت اعترض عليه وهو هذه الاسئلة التي توجه الى المتباريات لاكتشاف ثقافتهنَّ كأننا في أحد صفوف الجامعات.
هو انتخاب الجمال، ونقطة على السطر!
وحين تصل فتاة من بلادي الى المحافل العالمية، فلتتجند لها سفارة لبنان، حيث تكون، من الملحق الثقافي الى السفير نفسه.
ويوم هزَّت جورجينا رزق الكون في السبعينات، وبيَّضتِ اسم لبنان،كانتِ الكلمةُ للجمال وحدَهُ.
ونعم وحدَهُ!
حاشية: ومعلوم أن مرسيل حرو انتخبت لاحقاً ملكة جمال لبنان، وقد توفَّاها الله صبية، رحمها الله، وهي لم تعرف سببب خطابي في تلك الليلة.