الأديب والقاص زكريا تامر
من يعتقد أن الأنظمة العربية تخشى الكلمة وتهابها هو الغارق في الأوهام والبعيد عن حقائق الأرض، فهي لا تخشى سوى الأفعال القادرة على الإطاحة بها. أما استياؤها من الكتاب، فلا سبب له سوى أنها لم تقرأ من كتب التراث العربي الغني إلا تلك الصفحات السود الصفر التي تصور الكاتب مخلوقاً يمدح مستجدياً العطاء، ويهجو حين لا يعطى، ولكنها وهي الأنظمة القوية الواثقة بنفسها، فمن واجب الكتاب امتداحها بغير أن يتجرأوا على المطالبة بأي عطاء مكتفين بنيلهم شرف امتداحها وإثبات أنهم مخلصون للوطن وأولي الأمر.
أما الأنظمة التي تعطي كي تتجنب الهجاء والتنديد، فهي أنظمة تبرهن بأفعالها على أنها ضعيفة لا تستحق الاستمرار في الحياة والبقاء بينما الأنظمة القوية تتصرف على أساس أنها المالكة لحق الحياة وحق الموت، تحيي من تشاء وتميت من تشاء. ومن يمتلك مثل هذه المقدرة من البديهي أن ينظر إلى كل كتابة مناوئة له على أنها تطاول ووقاحة جديران بالتأديب الصارم، ولكن التأديب الحديث الذي تتبناه الأنظمة الراهنة يختلف عن التأديب القديم الفظ الذي كان يلجأ إليه الأجداد في أثناء تعاملهم مع خصومهم، فقد اكتشفت تلك الأنظمة طريقة إنسانية لقطع أعناق من تغضب منهم بغير حاجة إلى السيوف والسيافين وإهراق الدماء، وتلك الطريقة ليست سوى التجويع، فالتجويع كفيل بإلغاء الأعناق والعقول والقلوب، وقادر على تحويل البشر إلى نوع مستهجن من الزواحف.
من يتخيل أن الحاكم العربي الراهن يخاف من الكلمة وأصحابها هو واهم، فمعظم الحكام لا يخشون سوى السيف وحده، ولكنهم لا يدرون أن الكلمة المخلصة قد توفق أحياناً في حضّ مالك السيف على إشهار سيفه.
*****
(*) من كتاب “أرض الويل”.