“الانفجار السكاني في العالم العربي” عنوان كتاب صدر حديثاً للباحث خالد غزال (دار النهضة العربية)، يتناول فيه بعض النظريات الخاصة بالسكان، تطوّر السكان في العالم العربي خلال العقود الأخيرة، الموروثات الثقافية وعلاقتها بالمسألة السكانية، الآثار الناجمة عن الزيادة السكانية، الشباب العربي في قلب الانفجار السكاني، الانفجار السكاني في السياسات الرسمية العربية، الانفجار السكاني: من عنصر سلبي إلى عنصر إيجابي. واختتم الكتاب بفصل: “من أجل المستقبل”. قدم المؤلف لكتابه بما يلي:
في الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأول / اكتوبر، أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان تقريرًا عن عدد سكان العالم، فأشار التقرير إلى بلوغ العدد سبعة مليارات نسمة، وحذر التقرير من الزيادات المضطردة التي ستجعل سكان العالم عام 2050 في حدود عشرة مليارات نسمة، وفي نهاية القرن الجاري حوالي ثلاثة عشرة مليار ونصف المليار من البشر.
قبل صدور تقرير الأمم المتحدة هذا، ومنذ قرون، تعتبر الزيادات السكانية معضلة عالمية تصيب جميع الدول، بتفاوت ووفق درجة تطور كل منها. إذا كانت هذه المعضلة تبدو اليوم مستفحلة أكثر من أي عصر مضى على البشرية، إلاّ أنّ التنبّه لها والتوقف عند أسبابها وعلاجها يعود إلى الزمن القديم، الذي يمتد من العصور الإغريقية وصولاً إلى العصور الحديثة. انبثقت عن الأزمة نظريات طالت بالتحليل والتشخيص والعلاج مسألة الزيادات السكانية، وتلوّنت كل نظرية عن السكان بواقع المشكلة وعلاقتها بدرجة التقدم أو التخلف لكل مرحلة وبلد. في الزمن الحاضر، تبدو المشكلة السكانية في أعلى درجاتها من التفاقم والإنفجار في مجمل الكرة الأرضية. ينال العالم العربي حصة وازنة في هذا المجال، فتتفاوت المشكلة بين بلد وآخر، كما تختلف وسائل المعالجة والتصدي لآثار الزيادات السكانية.
تسعى هذه الدراسة بعنوان “الإنفجار السكاني في العالم العربي” إلى محاولة تلمّس جوانب متعددة من المشكلة السكانية ودرجة انفجارها ووسائل التصدي لها في العالم العربي. وهي تتضمن سبعة فصول، من ضمنها جداول إحصائية متصلة بالموضوع نفسه.
نظريات والتطور السكاني
يتطرق الفصل الأول إلى بعض “النظريات” التي تناولت المسألة السكانية، من العصور الإغريقية القديمة حيث تطرق افلاطون إلى هذه المعضلة كما تقدّم نفسها في زمنه، إلى النظريات الشرقية في بلاد الصين حيث كان لكونفوشيوس مساهمة في هذا المجال. لم تكن المجتمعات العربية والإسلامية بعيدة عن الولوج في هذا العالم، فكانت لابن خلدون مساهمة في كتاباته وخصوصاً في المقدمة. أما في أوروبا، فقد ازدهر الأدب السياسي حول السكان منذ عصر النهضة مطلع القرن السادس عشر، كان أشهرها النظريات الاقتصادية والثقافية والطبيعية والبيولوجية، فبرزت أسماء مالتوس وهربرت سبنسر وجون ستيوارت ميل ومايكل سادلر وغيرهم..انجدلت النظريات حول السكان في أوروبا خصوصا في القرون الثلاثة الاخيرة بالصراعات الاجتماعية والسياسية والفلسفية بشكل واسع، هكذا وجدنا مقابل نظريات مالتوس ازدهارًا للنظريات الاجتماعية المناقضة للنظريات الطبيعية والبيولوجية عبّر عنها،على الاخص، ماركس وأصحاب النظريات الاجتماعية بعده من أمثال هنري جورج وآرسي ديمونت وغيرهم.. أما في القرن العشرين، فقد ازدهرت نظريات التحوّل الديمغرافي القائلة “بالإنتقال من حالة ارتفاع معدلات الخصوبة والوفاة إلى انخفاض معدلات الخصوبة والوفاة”، وهي نظريات قال بها اقتصاديون أميركيون وأوروبيون من أمثال أدولف لندري، ديفيز، ثومبسون، فريدمان..وغيرهم. لم ينقطع السجال في هذه النظريات حتى اليوم، بل على العكس، يبدو تفاقم الزيادات السكانية عنصرًا محفزًا للبحث المتجدد والمتواصل في الموضوع على المستويين المحلي والعالمي.
يتناول الفصل الثاني بعنوان “تطور السكان في العالم العربي خلال العقود الاخيرة”، كل ما يتصل بالتعداد السكاني في كل قطر عربي وما طرأ عليه من زيادات وحجمها،، كما يتعرض الى عدد السكان بالقياس الى المساحة الجغرافية لكل بلد ، والكثافة السكانية في المدن والارياف، والنسبة بين سكان المدن والريف. ويتناول هذا الفصل ايضا بعض المؤشرات الديمغرافية، من قبيل الفئات العمرية ، والنسبة بين اعداد الذكور والاناث، ومعدلات الولادات والوفيات والعوامل المتدخلة فيهما سلبا وايجاباً، كما يجري التطرق إلى الهجرات السكانية، الداخلية منها والخارجية.
يشير الفصل الثالث بعنوان “الموروثات الثقافية وعلاقتها بالمسألة السكانية”، إلى جملة مفاهيم وعادات وتقاليد لا زالت متجذّرة في مجتمعاتنا العربية، وترمي بكلكلها على التطور الاجتماعي ، وتشكل في بعض الأحيان إعاقات فعلية في وجه هذا التقدم. من هذه المفاهيم المتصلة بمقياس الرجولية والفحولية في العالم العربي والمستند إلى مدى قدرة الرجل على الإنجاب، وعلى تقليد الزواج المبكر وتشجيعه في بعض المجتمعات، ومعه قضية تعدد الزوجات التي يجري استحضار مفاهيم ومعتقدات دينية لتبريرها ومنع إيقافها. ويندرج في المفاهيم والتقاليد تلك النظرة إلى كثرة النسل لكون الأولاد يشكلون قوة عمل تساعد الأب على إعالة عائلته المتزايدة. يرصد هذا الفصل بعض ما يتصل بتنظيم النسل وبرامج تنظيم الأسرة، وما يرافقهما من معوقات ثقافية تبدو أشبه بقوانين أبدية، خصوصاً أنّ بعضها يستحضر النصوص الدينية المقدسة لتبرير زيادات السكان وتعدد الزوجات، وهي ثقافة تضرب جذورها بعمق في التربة العربية، بما يبدو من الصعوبة بمكان تجاوزها حتى الآن.
الزيادة السكانية والشباب العربي
أما الفصل الرابع بعنوان “الآثار الناجمة عن الزيادة السكانية”، فيعتبر الفصل الأساس في الدراسة بالنظر إلى أنّ تجليات الإنفجار السكاني تتمظهر في جملة من النتائج المتعددة الجوانب. ولأنّ القضية السكانية تخترق المجتمعات، بنى ومؤسسات وثقافة، فإنّ نتائجها تتجلى في جميع الميادين. لذا تطرّق هذا الفصل إلى علاقة السكان بالتنمية البشرية وما يربط بينهما من صلات وثيقة، وإلى أثر الزيادات السكانية على معدلات الفقر الذي يسجل خطاً متصاعدًا في العالم العربي متفوّقاً على كثير من المجتمعات البشرية، حتى المتخلفة منها. ويرصد المخاطر المرافقة للزيادات السكانية من قبيل ازدياد حجم الأطفال المنخرطين في العمل على حساب تعليمهم، وعلى ما يرافق انخراطهم في العمل من تشوّهات جسدية وعقلية وصحية.. كما أنّ من نتائج زيادات السكان في عالمنا العربي ارتفاع حجم البطالة وتراكم جيش العاطلين عن العمل، بشكل لا تضاهيها مجتمعات عالمية أخرى. وفي السياق نفسه، ينجم عن الفقر والبطالة اكتمالهما بالأميّة، مما يشكل مثلثاً مترابطاً ومتداخلاً “تنعم” به المجتمعات العربية وتقيم فيه منذ قرون، من دون توقّع الآمال بتجاوزه. وتتناسل الآثار السلبية لزيادة السكان في العالم العربي، فتتطال حجم المياه الصالحة للشرب والنقص الهائل فيها، كما تتوقف عند معضلة المياه الخاصة بالري والصراعات المحلية والإقليمية حولها، راهناً ومستقبلاً. ويرتبط بمعضلة المياه مسائل تتعلق بالبيئة خصوصاً منها قضايا التصحّر والاتساع الذي يخترق المجتمعات والأرض العربية. وعن الزيادات السكانية، برزت في العالم العربي خلال العقود الأخيرة ظواهر من نوع زحف الريف إلى المدينة، ومعه “ترييف المدن” والمشاكل التي ترافقها في السكن والخدمات والبناء العشوائي في هذه المدن، وما يترتب على ذلك من انتشار أحزمة الفقر وأحياء الصفيح التي تتحول إلى بؤر للإرهاب والتهريب والخروج على القوانين.. كما يترتب على الزيادات السكانية هجرات محلية وخارجية، أخطرها هجرة الأدمغة العربية إلى أوروبا وأميركا وتوظيف معرفتها هناك، في وقت تحتاج فيه المجتمعات العربية إلى علوم أبنائها. ويختم هذا الفصل بفقرة تظهر أثر الزيادات السكانية على ازدهار حركات التطرف والإرهاب، حيث تشكل عناصر البطالة والفقر والحرمان التربة الخصبة لتحويل هؤلاء الفقراء إلى جيوش إحتياطية تتغذى منها الحركات الإرهابية، بعد ان تزيّن لهؤلاء أنّ الانتساب إليها يشكل خشبة الخلاص من أوضاعهم الاجتماعية المزرية، وأنّ النعيم الذي يطمح اليه الفقراء يكون بالانخراط في هذه الحركات التي تعد منتسبيها بالجنة عند مقتلهم خلال “الجهاد” الذي يقومون به.
يولي الفصل الخامس بعنوان “الشباب العربي في قلب الانفجار السكاني” موضوع الشباب بعض الإهتمام، بالنظر إلى الموقع الذي تحتله أجيال الشباب اليوم والدور الذي تضطلع به في التحولات العربية الجارية. يضاف إلى ذلك أنّ معضلة الإنفجار السكاني تطال، في نتائجها السلبية، أجيال الشباب في الصميم، بل وأكثر من أيّ فئة عمرية أخرى. يتناول هذا الفصل انعكاسات العولمة وثقافتها على أجيال الشباب وما تولّده من تناقضات مع الثقافات السائدة والاضطرار إلى التكيّف بين ما يقدمه العصر من تطور وبين الإقامة في بنى التخلف، بكل ما تولده هذه الإقامة من “انفصام شخصية” لدى هذه الأجيال. ويعنى هذا الفصل بمقاربة للتحولات التي تصيب المجتمعات العربية نتيجة التغيرات الديمغرافية بين المدينة والريف، وما ينجم عنها من تضخم سكان المدن وازدياد حجم الشباب فيها، مقابل شيخوخة الريف الذي يجري تفريغه من العناصر الشابة نتيجة الهجرات الداخلية والخارجية، وهو موضوع مفتوح على سؤال تجري مناقشته ودراسته عن مدى وإمكان أن تشكل هذه الهجرات حلاً للإنفجار السكاني في العالم العربي؟ ويختم هذا الفصل بالاشارة إلى الجديد في واقع الشباب المتصل بانخراطهم في الحياة السياسية والاجتماعية العامة، بعد أن جرى تهميشهم وحرمانهم من هذا الإنخراط لعقود مديدة. يتجلّى هذا الجديد في الدورالذي يلعبه الشباب اليوم في قيادة الحراك السياسي والاجتماعي في أكثر من قطر عربي.
سياسات وعناصر إيجابية
يعرض الفصل السادس بعنوان “الانفجار السكاني في السياسات الرسمية العربية” إلى طبيعة التعاطي الرسمي من جانب السلطات العربية مع المعضلة السكانية، وحجم الإهتمام المتدنّي الذي توليه في خططها التنموية أو موازناتها المالية أو توجهاتها الاجتماعية. يشير هذا الفصل إلى أنّ قضية السكان تجري معالجتها، نظرياً في معظم الأحيان، في مؤتمرات الجامعة العربية أكثر منها في برامج النهوض المحلي. كما أنّ هذا الاهتمام تقوم به بعض منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وبالعلاقة مع الهيائت الدولية التابعة للأمم المتحدة. لكنّ المؤسف أنّ هذه الإهتمامات واستحضار المعضلات ونتائجها يبقى على الهامش لافتقاده إلى الأدوات التنفيذية، سواء على مستوى هذه الهيئات أو من خلال السياسات الحكومية الرسمية، التي تقع المشكلات السكانية في آخر همومها.
يتوقف الفصل السابع بعنوان “الإنفجار السكاني : من عنصر سلبي إلى عنصر ايجابي؟” أمام مقاربة لكل المنحى السلبي الذي طبع الدراسة خلال تعرّضها للمعضلة السكانية ونتائجها. ينحو هذا الفصل باتجاه يرى أنّ الزيادات السكانية تتحوّل سلبية أو إيجابية انطلاقا من السياسات العامة للحكومات وعلى الأخص كيفية توظيف الثروات العربية والإفادة منها لتحقيق التنمية البشرية العامة. لذا أولى هذا الفصل أهمية لموضوع الأرض والموارد الزراعية واستخدامها الصحيح واستصلاحها لكونها تشكل عاملا مركزيا في بقاء المواطن في أرضه بعد توفر مقومات العيش والعمل. أما الجانب الآخر الذي يلعب دورًا حاسماً في تحويل الإنفجارالسكاني من”نقمة إلى نعمة” فهو المتعلق بحجم الثروات المالية الموجودة في العالم العربي والناجمة عن الثروات النفطية الهائلة. إنّ استخدام القليل من هذه الثروات في استثمارات تنموية في العالم العربي كفيلة بنقل المجتمعات العربية من الواقع المزري الذي يطال أقساماً واسعة من سكانها، إلى حالة من العيش اليسير والكريم. يتصل الأمر هنا بطبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وبالميادين التي يجري توظيف هذه الثروات خارج مصالح شعوب العالم العربي. يصل هذا الفصل إلى طرح أساسه أنّ الثروات الأساسية التي يملكها العالم العربي تبقى متمحورة حول الإنسان العربي، الذي يجب ان يعطى الأولوية في كل التوجهات باعتباره “العملة النادرة” التي من دونها لا قيمة لكل الثروات الأخرى.
كلام الصور
1- غلاف الكتاب
2- الانفجار السكاني
3- المسألة السكانية
4- قلب الانفجار السكاني