خالد غزال
(كاتب وباحث- لبنان)
في خطابه الوداعي أمام الأمم المتحدة، تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما الى العالم عن الأزمة السورية، مستخدماً تعابير الأسف عن الوضع الذي آلت إليه سورية. يقول: «الوضع في سورية يبقى هاجساً يلاحقني. معرفة أن مئات آلاف الأشخاض قتلوا والملايين نزحوا، ذلك كله يحملني على التساؤل عما كان في وسعي أن أفعله في صورة مغايرة خلال السنوات الخمس أو الست الأخيرة».
وأضاف أمام القمة في شأن اللاجئين: «لسنا موحّدين كما ينبغي أن نكون في الضغط من أجل وقف هذا العنف». من يقرأ هذا الكلام ويستمع إليه، سيظن أن المتحدث هو رئيس «كاريتاس» أو الصليب الأحمر الدولي، وليس رئيس الولايات المتحدة الأميركية، رئيس الدولة العظمى المتدخلة في جميع شؤون العالم. يحتاج كلام أوباما الأخير، وقبله كل مسلك الولايات المتحدة تجاه الأزمة السورية، الى إعادة قراءة موضوعية. يصف محللون أوباما بالمتردد في اتخاذ القرارات المصيرية، ويحسب بدقة تكلفة أي قرار على موقع الولايات المتحدة والكلفة التي ستدفعها، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالتدخل العسكري المباشر. وفي استعادة لسلوك أوباما على امتداد الخمس سنوات الماضية، أظهر وعوداً وانتكاساً عنها. بدت تصريحاته في بداية الانتفاضة مركّزة على ضرورة رحيل الأسد عن السلطة، وبكلمات جازمة. تبعها تهديدات أميركية بأن استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية سيرتب على الولايات المتحدة استعمال العنف ضد النظام. وعندما استخدم النظام هذا السلاح، عقد أوباما صفقة مع روسيا تقضي بتدميره، وتبخر التهديد بمعاقبة الأسد.
لم يكن مطلوباً من الولايات المتحدة التدخل العسكري لإسقاط نظام الأسد، كان المطلوب منها عدم منع المساعدات التقنية والعسكرية لأطراف المعارضة. تصرف أوباما في شكل حازم مع بعض الدول العربية لمنع تزويد المعارضة بالسلاح، وهو كان بذلك يضمر عدم الاختلال بميزان القوى، بما فيها إمكان إسقاط الأسد. يعرف أوباما، الذي استفاق على صعود التنظيمات الإرهابية، ومنها «داعش»، أن نظام الأسد هو الأب والأم الشرعيان لهذا التنظيم، وأن الرئيس السوري كان يهدد منذ بداية الانتفاضة بتحويل سورية الى منطقة إرهاب تهدد العالم كله. ولا يخفى على الرئيس أوباما، أن مخابراته لعبت دوراً مهماً في رعاية الإرهاب في سورية وتغذيته من خلال تأمين طرق الوصول للمقاتلين، سواء عبر تركيا أو العراق، ومن أقطار أخرى.
ليس اتهاماً من دون معنى القول أن أوباما كان مراوغاً بارعاً في تصريحاته وممارساته العملية. منذ اليوم الأول لاندلاع الانتفاضة، كانت المخابرات الأميركية وإدارتها تدركان الفارق بين الانتفاضة السورية وسائر الانتفاضات العربية. فسورية موقع استراتيجي أساسي في المشرق العربي، وهي على تخوم دولة إسرائيل، يحكمها نظام لم تجد الإدارة الأميركية أفضل منه في حماية مصالحها ومصالح إسرائيل، وهو نهج بدأه الأسد الأب وأكمل طريقه الأسد التبن. كما كان الأميركيون أكثر القوى إدراكاً أن الانتفاضة السورية هي ثورة شعبية بكل معنى الكلمة، ولن يكون مصيرها على شاكلة ما حصل في مصر وليبيا وحتى تونس، أي إزاحة الرئيس وإبقاء النظام. كانت الانتفاضة السورية مؤهلة لإطاحة النظام ورئيسه على السواء، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة مساً بمعادلات إقليمية بعيدة المدى، لأن أي نظام مقبل سيكون على عداء مع إسرائيل وقد يهدد «الستاتيكو» القائم على أن الجيش السوري يشكل حرس حدود لدولة إسرائيل.
كان القرار الأميركي تدمير سورية، جيشاً ومجتمعاً وبنى تحتية. ولا يتم تنفيذ هذا القرار إلا على قاعدة إغراق البلاد في حرب أهلية مديدة تحرق الأخضر واليابس. وخلافاً لتصريحاته الدائمة عن ضرورة رحيل الأسد، اكتشف أوباما أن بقاء الأسد في السلطة ومنع إسقاطه الوسيلة الفضلى لإدارة هذه الحرب الأهلية، وقد سبق للأسد أن أعلن صراحة منذ بدء الانتفاضة: أنا أو تدمير البلد».
هكذا سار أوباما في مسار انحداري ومتراجع عن كل الوعود التي قطعها والتعهدات التي قدمها حتى لحلفائه. وعلى رغم ما أصاب سورية من دمار على يد الأسد، واقتناع معظم دول العالم بعدم صلاحيته للبقاء في السلطة، ها هو بول رايان، رئيس مجلس النواب الأميركي، يطالب البيت الأبيض بوقف الضغوطات التي يقوم بها تجاه الحزبين الجمهوري والديموقراطي لكي لا يقومان بإقرار قانون يفرض عقوبات على نظام الأسد، كما أقر بول بأن أوباما وإدارته يقومان بحماية بشار ونظامه.
لم يكن أوباما ينبع في مسلكه عن ضعف وعجز كما يدعي كثر، بل على العكس، كان ولا يزال مدركاً جيداً ما يقوم به، ويعتبر سياسته تصب في خدمة المصالح الأميركية.