حسيبة طاهر
(أديبة وروائية جزائرية مقيمة في كيبك كندا)
كان فيه كل ما تبحث عنه المرأة من صفات: حب جارف، عطاء وارف، حنان، اهتمام بأصغر الصغائر وأبسط العواطف، يتغاضى عن العيوب ويمدح الحسنات … عكس تام لذلك الذي يربطها به قدس مقدس… رجل متعجرف جامد كالحجر مادي حتى شويكات النخاع، الغزل جف من زمن والمدح بذور تحللت ولم تنتش …يكسر المشاعر ويحطم الأمل، يحبط الناجح ويضحك من الفاشل …. ملت حياتها معه وربما ما جعلها تضعه تحت المجهر هو تعرفها على ذلك الصديق المغاير فالشيء بضده يعرف …
وما زاد من طموحها وأغراها بالثورة والتمرد وعده بمساعدتها على الشهرة و تحقيق حلمها بأن تصبح ممثلة مشهورة …
طال بها التفكير وتأججت أحلامها وأصبح التحقيق قاب قوسين أو أدنى ….
أعدّت حقيبتها بما خف وزنه وزاد ثمنه وقررت أن تلتحق بالحب وتلبس تاج النجاح و الفرح …
قبّلت الطفلتين أحكمت إغلاق النوافذ وخرجت،ما كادت تضع رجلها في أول السلم/ الهابط بها من أموماتها الصاعد بها نحو المجد / حتى عادت لتغطي الطفلتين فهما تتعريان كثيرا بالليل، خرجت وما كادت تفتح باب السيارة حتى خفق قلبها وعادت تجري، يا للهول قد نسيت علبة دواء مسكن للصداع على طاولة المطبخ وقد تستيقظ إحدى البنتين قبل الأب وتلتهم الدواء بفضول طفوليٍّ نهمٍ …
هذه المرة ستخرج و لن تعود ثانية / بالأحرى ثالثة / فكل شيء على مايرام….
بدأت أولى خيوط الشمس تتلصص عبر شقوق النافذة لتشي له بما حدث ويكون لها شرف السبق الوشائيّ، فرك عينيه وتحسس مكان رفيقة السرير، ذهل كأن هاجسا ما أنبأه برحيلها /خصوصا وأنها في الأيام الأخيرة كانت دائمة التهديد بالرحيل/، وزاد ذهوله بباب الخزانة المفتوح والأدراج الخاوية على حطبها، قفزمن مكانه وبدأ يبحث عنها كمن ضيّع بطاقة هويّته …
مصيبة ليست في المطبخ، ولا الصالون، و لا الحمام، ولا بالمكتب … ولا ….ولا …
صعد الدرج راكضاً نحو غرف الطابق الثاني فتح باب غرفة نوم الفتاتين وابتسم ابتسامة ذات مغزى لا يعلمه إلا هو، كانت هناك نائمة تتوسط البنتين وتحكم حضنهما وعلى وجهيهما ابتسامتين ملائكيتين وعلى خدها دمعة أزلية…..