“الرسم بالضوء” عاشق الطبيعة الآتي من الطبّ إلى عالم “الرسم بالضوء”

طارق توما: الرؤية أساس  نجاح اللقطة الفوتوغرافية

nada-eid-2

ندى عيد

(كاتبة- لبنان)

عاشق طبيعة بامتياز، يسافر باحثًا عن الصور الأشدّ عذريّة، والأبعد عن تأثير الإنسان وتدخّله. يلتقطها بإحساس مرهف حيثما وجدها، من: أثيوبيا إلى النبال، أيسلندا، الهند، فرنسا والعديد من الدول والأماكن. يقصدها لاصطياد لقطات تحوّلها عدسته إلى لحظة فنيّة مكثّفة، تجمع إبداع الطبيعة وقدرة الإنسان على الإحاطة بها برؤيته الخاصة.

طارق توما الآتي من عالم الطبّ والعلاج الفيزيائيّ إلى عالم التصوير، حقق نجاحات من خلال فوزه مرّات عديدة بجوائز عالميّة، ووصوله إلى التصفيات النهائيّة.

التصوير الفوتوغرافي فن الرسم بالضوء، استنادًا إلى أصل الكلمة اليونانيّة “فوتوغرافيا”، المؤلّفة من كلمتين: “فوتو” ومعناها الضوء و”غراف” أيّ الرسم.

مع طارق توما يتحوّل هذا الرسم بالضوء إلى أعمال فنيّة مكتملة العناصر والملامح.

كلّ صورة لوحة – صورة تأليف فنيّ فريد، تنقل الناظر إلى عالمها، إلى أجوائها إلى لحظة عُلِّقت وتجمّدت حتى خرجت من إطار الزمان، لتنضمّ إلى فئة الأعمال الفنيّة غير الخاضعة لمحدوديّة الزمان أو المكان.

جوائز عدّة نالها توما، جاءت تقديرًا لموهبة وشغف كبيرين ظهرا في أعماله.

عن بداياته في التصوير يقول: “بدأ اهتمامي بعالم التصوير انطلاقًا من حبّي للسفر. أجد فيه الملاذ، بعيدًا عن عالم الأوجاع والأمراض المحيط بي، نتيجة عملي. خلال السفر لاحظت أن عددًا كبيرًا من الأشخاص يحمل كاميرات مصوّرين محترفين. قرّرت أن أشتري واحدة وكانت الهند وجهة السفر الأولى بهدف التصوير فقط!”.

tarek-touma

طارق توما

(جدير بالذكر أن توما حائز على دكتوراه في تقويم العظام بالعلاج اليدوي “أوستيوباتي” وهو أستاذ في جامعة القدّيس يوسف في بيروت).

في الهند اكتشف توما قدرة الكاميرا على نقل الأحاسيس، لذا وصف التصوير الفوتوغرافيّ بأنه “إحساس عالٍ مع إجادة للتقنية، فالصورة مهما كانت ناجحة تقنيًا تبقى ناقصة لأنها تحتاج إلى الإحساس”.

ويشبّه توما التصوير بالرسم، إذ يمكن لكلّ شخص أن يقدّمه بأسلوبه ومن زاويته “مثل الرسّام بإمكانه تقديم المشهد نفسه في صورة مليئة بالضوء أو ميتة” على حدّ تعبيره.

أثيوبيا كانت المحطة الثانية في رحلة بدأها مع عالم التصوير وتستمرّ فصولها إلى اليوم، ويعمل ليتوّجها بإصدار كتاب يختصر فيه حصاد رحلاته.

“حياة القبائل والبُعد عن مظاهر المدنيّة التي نعرفها نحن، أمران ملفتان جدًا في أثيوبيا”. يقول توما، وتفضيله للأماكن الاستثنائيّة ينسحب على خياراته كافّة في الدول التي يسافر إليها:

“سافرت إلى دول غير مقصودة عادة للتصوير مثل أيسلندا. أخصّص الرحلة للكاميرا وحدها! وما يشعرني براحة نفسيّة كبيرة أني أتعاطى مع أشخاص لا أعرفهم. كما أكون في الطبيعة بين الأنهر والوديان والجبال.. جامعاً بين حبّي لتصوير المشاهد الطبيعيّة وتصوير ملامح الناس ووجوهها بدقّة في الوقت نفسه”.

tarek-touma-1

تقدير واعتراف بالتميّز

خلال رحلته مع الكاميرا فاز طارق توما بجوائز عالميّة، زادت من حماسته وشغفه.

عن ذلك يقول: “أول جائزة فزتُ بها كانت من خلال مسابقة لأجمل صورة مأخوذة بجوّال الآيفون التي تجريها مجلة “ناشونال جيوغرافيك”. كانت صورة لسيّدة مُسنّة من قرية زوجتي في شمال لبنان”.

… ويشرح: “وصلني “إيميل” أنهم مهتمّون بنشر الصورة في المجلة. حدث مهمّ جدًا بالنسبة إليّ، إذ ينتظر المصوّرون سنوات قبل أن يحصلوا على مثل هذه الفرصة، “وصلتني سريعًا”… بعد حوالى سنة ونصف سنة من بدء رحلتي مع التصوير الفوتوغرافي”.

tarek-touma-2

صورة لسيّدة مُسنّة… فازت بجائزة عالمية

شكلّت الجائزة حافزًا جديدًا له. سافر مرّة ثانية إلى أثيوبيا، واشترك مجددًا في مسابقة المجلّة العالميّة (ذاتها). المفارقة أن الصورة التي فاز بها كان التقطها في لبنان(أيضاً) وليس في أي مكان آخر، وهي لولد صغير يبيع الخردة.

تتابعت المسابقات والفوز بالوصول إلى النهائيّات، لكن الفوز الكبير جاء هذه المرة من خلال مسابقة “سوني” العالميّة، التي اشترك فيها ستون ألف مصوّر بـ170 ألف صورة من مختلف أنحاء العالم، وحلّت صورة توما بين الصور العشر الأوائل… وعرضت في لندن. كانت لقافلة جمال تسير في خط مستقيم التقطها في رحلته الثانية إلى أثيوبيا.

tarek-touma-3

توما مع أفراد من إحدى القبائل الإفريقية

أساس النجاح

أمام هذه النجاحات السؤال الذي يطرح نفسه يدور حول مدى أهمّية التقنية، وأهميّة الدور الذي تلعبه الآلة أو الكاميرا في تحقيق النجاح؟

يقول توما: “بدّلت العديد من آلات التصوير. عند الانتقال إلى كل مرحلة جديدة كنتُ أشتري كاميرا جديدة. الكاميرا تمنح إمكانات تنفيذ متطوّرة، وكذلك الإجادة التقينة. لكن، تبقى الرؤية هي الأهم، والإحساس الذي تحمله الصورة. الدليل على ذلك أنني ربحتُ جائزة عالميّة بكاميرا هاتف جوّال”.

الموهبة وقدرة الصورة على جذب الاهتمام عاملان أساسيان في تحقيق نجاح أي صورة، خصوصًا أن الأعمال الفوتوغرافيّة هي “فن رسم بالضوء” بكل ما للكلمة من معنى.

أما طارق توما فنحن على مواعيد جديدة معه في رحلات إلى وجهات غير اعتياديّة ومع لقطات تحوّل اللحظات إلى أعمال تُمتع العين وتفتح الأفق أمام العقل للسفر بعيدًا!

tarek-touma-4

سيدة في حقل الخزامي

اترك رد