“ملوك الطوائف” … عمل رحباني يعاد إحياؤه في ليالي أرز تنورين

nouhad hayek

نهاد الحايك

(شاعرة- لبنان)

قراءة للماضي بعين الحاضر وبطعم مرارته وإسقاطات في الاتجاهين لواقع عرفته الأندلس في ما مضى، فيه الكثير مما يعيشه الواقع العربي في هذا الزمن. العنوان “ملوك الطوائف” يوحي بأن الأمر يتعلق بالبلوة التي ابتلينا بها هنا في لبنان مع مَن نطلق عليهم “أمراء الطوائف”.

بالطبع يمكن إسقاطها على الواقع اللبناني، ولكن المقصود هو الزعماء العرب حيث للصدفة غرابتها ومدلولاتها: فملوك طوائف الأندلس كان عددهم 22 ملكاً وهو عدد البلدان العربية اليوم. ملوك طوائف الأندلس كانوا يحكمون مجموعات مختلفة في الأندلس، يظهرون المودة بعضهم لبعض في العلن ويتآمرون بعضهم ضد بعض في السر. لا يتوافقون على قضاياهم المصيرية ويرضخون لقوة خارجية على حساب مصالح أمتهم. والقوة الخارجية في المسرحية جسّدها الفونسو السادس ملك قشتالة فكانوا يتسابقون على نيل رضاه بينما كان هو يبتزّهم ويدفعهم إلى القتال إلى جانبه ضد زملائهم من ملوك طوائف الأندلس، مدّعياً أنه يسعى إلى تحقيق السلام!!

moulouk al tawaef 3

تفكُّك وتناحُر وأنانيات وانعدام رؤيا. تتمحور أحداث المسرحية حول المعتمد بن عبّاد ملك إشبيلية (غسان صليبا) الذي كان يقرض الشعر وأغرم بفتاة من عامة الشعب، اسمها اعتماد الرميكية (هبة طوجي) وتعمل غسالة، انجذب إليها لأنها أظهرت قدرة على قرض الشعر أيضاً. وتزوجها. اللافت أن اعتماد الرميكية كانت ذكية وصاحبة آراء ومواقف في السياسة وقضايا الدولة، وكانت رؤيتها للأمور أكثر نباهة من رؤية الملك وثبت أنها كانت على صواب في كثير من المواقف التي رفض فيها الملك الاستماع إلى نصيحتها.

moulouk al tawaef 4

أول عرض لمسرحية “ملوك الطوائف” كان في عام 2003 في كازينو لبنان، ثم عرضت في قطر في عام 2010. (كتابة منصور الرحباني وشاركه في التلحين أبناؤه الثلاثة مروان وأسامة وغدي وأخوه الياس الرحباني، إخراج مروان الرحباني).

عمل لا تبطل واقعيته ولا يتوقف نبضه بهمومنا في هذه المنطقة المبتلاة بزعمائها. ديكور مبتكر يمزج الجماد بالحركة عبر استخدام ذكي للتكنولوجيا. ملابس تجسد عصر الأندلس العربية والأزياء الأوروبية التي كانت رائجة آنذاك. نهل منصور الرحباني القصة والعبرة من التاريخ وصاغها في سيناريو قريب إلى القلب والفكر وطعَّمه بالسخرية والنقد والفكاهة والشعر والفكر والرؤية. قصائد وكلمات وألحان الأغاني تُحفٌ تضاف إلى سلسلة طويلة من التحف الرحبانية. أداء غنائي رائع لصليبا وطوجي. مشاهد الرقص منسجمة مع سياق الأحداث من دون افتعال. كل شيء. كل التفاصيل مصممة ومنفذة بإتقان وذوق وإبداع. عمل متكامل يستحق أن نقطع مسافات طويلة وطرقات ثعبانية ضيقة في قلب الجبال والوديان إلى أرز تنورين (ساعتان ونصف) مع آلاف آخرين من جمهور يعشق الفرح والفن والأرز (علماً بأن جزءاً من هذا الجمهور يعشق المنظرة والوجاهة والبريستيج ليس إلا!!).

moulouk al tawaef 6

في حضن غابة أرز تنورين، وتحت عين القمر الصيفي الساهرة، كانت ليلة من “ليالي أرز تنورين” (اسم المهرجان)، وليلة من ليالي العمر!

arz tannourine

اترك رد