دولة الإخوان الموازية

bilal tal

بلال حسن التلّ

(كاتب- الأردن)

استعرضنا في المقال السابق مكونات الدولة الموازية التي أقامها الإخوان المسلمون في الأردن، والمتمثلة في شبكة واسعة من مؤسسات المجتمع المدني، التي أقامت رياض الأطفال، والمدارس والمعاهد والجامعات، والعيادات والمراكز الصحية، والصحف والقنوات الفضائية والمؤسسات الاقتصادية، وأشرنا إلى أن الجماعة استخدمت هذه الشبكة للتأثير على توجهات الناس وقراراتهم،

وقبل ذلك لتعظيم الحضور السياسي للإخوان المسلمين، وهو الحضور الذي بنى لديهم وهم ثنائية الدولة والجماعة، بل أكثر من ذلك فقد تضخم الوهم عند بعض الإخوان المسلمين، فزعم أن الجماعة هي التي منحت الدولة شرعيتها، وحافظت على هذه الشرعية، في أوضح صورة من صور قلب المفاهيم، والتجني على الحقائق، والاستسلام لإوهام القوة التي سيطرت على مجموعة التنظيم السري،التي أوردت الجماعةموارد التهلكة، عندما تفرقت كلمتها وصار صفها شذر مذر، ولم تعد تحسن الاستفادة من أدواتها التي بنت من خلالها دولتها الموازية، خاصة عندما انتبهت الدولة الأردنية إلى خطر بعض هذه الأدوات ودورها في خدمة أهداف الدولة الموازية،كما حصل في قضية جمعية المركز الإسلامي الخيرية على سبيل المثال.

تعددت أدوات الإخوان المسلمين في بناء دولتهم الموازية فقد ذهب الإخوان المسلمون في الأردن إلى ما قاله المختصون من أن الدولة الموازية قد تعبر عن نفسها حزبيا، وهوبالضبط ما فعله الإخوان المسلمون، عندما أسسوا حزب جبهة العمل الإسلامي الذي انقلبوا فيه على كل حلفائهم في تأسيسه، ثم حولوه الى أداة من أدواتهم وتعبيراً من تعبيراتهم، خاصة في المجال السياسي، وهو بالضبط ما تفعله الدولة الموازية في العادة، أخذين بعين الاعتبار أن الانقلاب على التحالفات من الممارسات المعروفة في تاريخ الإخوان المسلمين، وفي الأرشيف عشرات الوقائع بالوثائق والأسماء التي تؤكد ما ذهبنا إليه، ولعل في ذاكرة الأحزاب التي كانت منخرطة في تنسيقة أحزاب المعارضة عشرات الشواهد على هذا السلوك الإخواني.

غير استخدام الحزب السياسي لتحقيق أهدافها فإن الدولة الموازية تسعى إلى تسخير أجهزة الدولة الطبيعية ومؤسساتها لتحقيق أهدافها، من خلال سعيها إلى نشر أعضائها وأعوانها في جميع مفاصل الدولة الطبيعية، وهو بالضبط ما فعله الإخوان المسلمون في الأردن،ولايجادل اثنان في سيطرة الإخوان المسلمين في فترة من الفترات على وزارتي التربية والتعليم والأوقاف وكليات الشريعة خاصة في الجامعة الأردنية،وتسخير هذه المؤسسات لخدمة الجماعة وأنصارها، خاصة في مجال تجنيد الأنصار والأعضاء والاستفادة من البعوث الدراسية والترقيات الوظيفية لأعضاء الجماعة،وإغلاق الأبواب أمام من هم ليسوا من أعضاء الجماعة وأنصارها، غير أن من أهم اجهزة الدولة الأردنية التي سخرها الإخوان المسلمون لتحقيق أهدافهم في الأردن هي أجهزة الإعلام، التي تسلل إليها الإخوان وانتشروا فيها، وهنا لابد من التذكير بأن دائرة البرامج الدينية في التلفزيون الأردني، وقبله في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية على سبيل المثال ظلت ردحاً طويلاً من الزمن بيد الإخوان المسلمين، كما تمكن الإخوان من تحقيق حضور واضح في الصحف اليومية والأسبوعية،وصارلهم كتابهم المعروفون في هذه الصحف، بالإضافة إلى أنهم نسجوا علاقات واسعة مع عدد كبير من الصحفيين والكتاب، وقد ساهم كل هذا في رسم هالة كبيرة للإخوان، ولحضورهم في المجتمع الأردني، زاد منها غياب المهنية عن الإعلام الرسمي في كثير من الأحيان، وهو غياب صب في كثير من الأحيان لحساب الإخوان وتسخيرهم للإعلام لتحقيق أهداف دولتهم الموازية.

ومن الأدوات المهمة للدولة الموازية التي تمسك بها الإخوان المسلمون في الأردن، ودافعوا عنها بإستماته هي البعد عن الرقابة والمحاسبة،فمن مصدر قوة الدولة الموازية كما يقول الدارسون أنها تعمل بعيداً عن الرقابة والمحاسبة، ولعل هذا من الأسباب الجوهرية لرفض مجموعة التنظيم السري التي سيطرت على جماعة الإخوان المسلمين تصويب أوضاع الجماعة القانونية، ورفضهم للترخيص، لأن من شأن الترخيص اخضاعهم لأحكام القوانيين خاصة من الناحيتين المالية والإدارية، وهو ما لايناسب الدولة الموازية التي تصر على تجاوز منطق المؤسسات، ولا تتقيد بنصوص، وتعمل بأطر لا مرئية وهو بالضبط ما ظل يفعله الإخوان المسلمون لعقود طويلة في الأردن.

هذه بعض أدوات الدولة الموازية التي تجمعت لدى الإخوان المسلمين في الأردن، وساندت أداتهم الأولى المتمثلة في مكونات الدولة الموازية،والمتمثلة بمؤسسات مجتمع مدني وجمعيات وعيادات ومراكز صحية ومدارس وجامعات ومعاهد، وهي نفس المكونات التي امتلكتها جماعة الخدمة في تركيا، والتي شن عليها الرئيس رجب طيب أردوغان حرباً لا هوادة فيها، باعتبارها دولة موازية، وهي الحرب التي انحاز إليه فيها الإخوان المسلمون في الأردن وفي كل بقاع الأرض، فهل يقبل الإخوان المسلمون أن تطبق عليهم المعايير التي طبقها حليفهم أردوغان على حركة الخدمة، باعتبار أن مؤسساتهم هي مكون الدولة الموازية، وأن أدواتهم هي نفس أدوات الدولة الموازية، أم سيعودون إلى حكاية ازدواجية المعايير، وأن ما يجوز لهم يحرم على غيرهم بما في ذلك التواصل مع الأمريكان وإعطاء اسرائيل هدنة طويلة المدى؟

اترك رد