ألفرح الفرح يسمو بك!
إيلي مارون خليل
(أديب وروائي وشاعر- لبنان)
سألتُ أبي، الخوري مارون، ذاتَ غروبٍ أيلوليّ:
– لا أراك، يا أبي، إلّا ووجهك يرتدي الفرحَ! كيف تستطيع!؟ ما سِرُّك في هذا!؟
– بل كيف لا أستطيعُ، يا لَلّوس!؟
– هل الأمرُ على هذه البَساطة!؟
– طبعًا، يا بني! طالما أنّ الأمرَ طَبْعٌ فيك!
– على الرّغم من الورق الأصفر المتساقط يهترئ…
– يأتي الرّبيع فتورق الأشجار وتُزهِر الطّبيعة!
– وعلى الرّغم من المآسي!؟
– لماذا تعتبرُها مآسيَ؟
– وما تكون الشُّرورُ والأمراضُ والكَذِبُ والحِقد والحسد والبُغض والقتْلُ والسَّرِقةُ وسائرُ الجرائمِ والموبقاتِ والخطايا…!؟
– هي الحياةُ! وفيها النّواقصُ! وفيها ضعفُ النّاس!
سكتُّ. أطرقْتُ. حاولتُ أُفكّرُ.
حدّقَ فيّ أبي. رأى الحَيرة في عينيّ؛ القلقَ على جبيني؛ التّساؤلَ ملء كِياني؛ هزّ رأسَه النّبيلَ، قال:
– هل قال أحدٌ إنّ الحياةَ كاملةٌ، أو إنّ النّاسَ مِثاليّون!؟ علينا تَقَبُّلُ الواقعِ كما هو. في هذه الحالة لا يغيبُ الفرحُ. تبقى النّفسُ مُشِعّةً، والإشعاعُ ينتقل إلى السِّوى.
– أفهمُ أنّ الفرحَ عَدوى؟
– وحالةٌ جَماعيّة! لا يستطيعُ فرْدٌ أن ينجح. وحده يحزن. يكتئب. وقد ييأس.
سَكَنَهُ الصّمتُ. لكنّه، قبل أن أتهيّأَ للكلام، سألني سؤالًا بدا لي خارجَ الموضوع:
– هل أنتَ مؤمن؟
حاولْتُ أجد، أو أتصوّر، علاقةً لسؤاله هذا بموضوع حديثِنا. ما علاقةُ ذا بذاك؟
وقبل أن تتسنّى ليَ الإجابةُ، سأل من جديد:
– هل أنتَ، حقًّا، مؤمنٌ!؟
– بأيّ مفهوم؟
– هل تشكّ بالله!؟ بالإنسان!؟
– لا أظنّ! ألله موجودٌ! والإنسان يسعى…
– إذًا، فأنتَ، حتْمًا، فرِحٌ!
– وما العلاقةُ بين الإيمانِ والفرح!؟
– ألإيمانُ فرحُ الرّجاءِ! رجاءُ الفرح! والرّجاءُ أقوى من الأمل، هو لا يَخيب. الأملُ بلى!
– وغيرُ المؤمن؟
– يصعب عليه الفرح. غيرُ المؤمنِ لا آفاق ماورائيّة له. يُقفِلُ على نفسه. المُقْفِلُ على نفسه قَرِفٌ من عمره والحياة. ألقَرِفُ كئيبٌ، من أين الفرحُ للكئيب!؟
– وآمالُه والأحلامُ!؟
– يابسةٌ منطفئة! أليباسُ موت! والانطفاءُ ظلمةٌ ممتدّة. أي أنّ هذا اليابسة آمالُه والأحلام، لا يحيا! يكتفي بأن يعيش! ألعيش لا يعني الحياة، وأنت تعرف!
– فكيف يعيش؟
– ظلامًا بظلام! ألعيش أمرٌ بيولوجيٌّ، مادّيّ، حِسّيٌّ، سطحيٌّ بامتياز! فأين لهذا نفسُه والرّوح، وتاليًا، أين له الرّجاءُ والفرح!؟
– إنّه لَأمرٌ صعبٌ!
– ألأرجح: مستحيل!
– إذًا، فالفَرَحُ نفسيٌّ، روحيٌّ، جَماعيٌّ، يُشير إلى إيمانٍ بالله، بالإنسان!
– والفَرِحُ مرتاحٌ مع نفسه، وإليها. مطمئنٌّ، ساكنٌ، مُسالِم. يُحِبُّ الجميعَ، ويُحِبُّه الجميعُ!
– والّذي يعيش، ألا يُمكن له ذلك؟
– من أين، وهو بلا آفاق!؟ ألعيش محدود بمكان، بزمان، بمادّة. والمكتفي بعيش، مُكتَفٍ بمادّة تؤمّن عيشَه، لا حياتَه! ألمكان يُهدَم ويتهدّم. ألزّمان ينقضي. ألمادّة تتحلَّل.
– والحياة؟
– ثوب النّفس والرّوح! وما هو نفسيّ وروحانيٌّ، لا انقِضاءَ له! ففيه الفرحُ والرّجاء!
كم اكتشفْتُ روعةَ أبي، الخوري مارون، وعبقريّتَه، وبساطتَه الغنيّة! اِنتبهتُ: كم غنيٌّ، أبي! كم يحيا فكرَه! وكم فكرُه حياتُه! أبي حبٌّ وفرحٌ متّحِدان، منسجمان، يمارسان الحياة!
لا!لا! ما مات أبي، ولن… ألحياةُ لا تموت!
(ألأربعاء 15 يونيو 2016)
www.eliemarounkhalil.com
حقا ما مات أبوك. ما أجمل أن نصغي الى حِكَم آيائنا، وينضح فكرنا بذكراهم الطيبة العطرة. رحم الله الأب مارون؛ تعوِز الكثيرين على هذه الأرض حكمته، وإلا لكانت أجمل بكثير. أطال الله عمرك حضرة الشاعر الأديب إيلي مارون خليل، حملتنا الى عالم الطيبة والوداعة والإيمان، فطاب لنا المقام.
أشكر لكِ قراءتَكِ والاهتمام! نزرع وردة!؟ نُسهم في بَثّ العطر!..