أيمن فايز عطيه
(كاتب ورسام تشكيلي- مصر)
مشاهد تحدث يوميا من حولنا ربما لا تدهش الكثير بل تستوقف القليل ! فنان ذو حس مرهف يغوص في أعماق عمله انفعال و هذا الانفعال لا يقف عند حدود التأثير النفسي بل يرقي إلي مستوي التفكير أو أديب تحثه علي كتابة روايته الجديدة أو ربما مؤلف درامي علي أن تكون هذه الصور شخصيات روايته القادمة أو شاعر ينظمها في قصيدته و من هنا يتم الخلق الفني .
والمتأمل الحائر في صور الحياة ينخرط حزنا في ما آلم به من تناقض بين الناس. كل أولئك ينشأ في أذهانهم أبطال لأعمالهم من شيء بسيط مجرد من صورة مادية إلي شيء ينجلي من خلال مقطوعة موسيقية أو لوحة جميلة أو شعر في شكل أحساس جديد أو مشهد في فيلم سينمائي يُجسم علي الشاشة . بينما بالنسبة لي هذا يأخذني علي أنه قضية لا بد من العمل علي شرحها.ينفعل قلمي ليسجل بذاكرتي مشهد ينحي له كل متأمل و يجثو علي ركبتيه و يقول أشكرك يا ألهي , حينما أشاهد في الصباح المبكر ماسحي السيارات و جامعي القمامة . قبل أن يستيقظ البشر النائم في أنعام نسيم التكييف صيفا و دفْ البطانية ” ساراتوجا ” أو لحاف شعر صوف شتاءً. يستيقظ هؤلاء البسطاء لكتابة أول صفحة من كتاب اليوم لجمع الزبالة من البنايات ربما من بقايا حفل أمس أو من أهدار أشياء و بقايا أكل بعد الشبع أو سوء استخدام أو لتغيير العفش القديم أو لعبث طفل بألعابه أو لبقايا طبيعية بعد الاستخدام .
وفي الشارع نجد ماسحي السيارات و يغلب علي هؤلاء العمالة سيدات متقدمن في العمر أو زوجات البوابين و شباب لا يجد عمل بشهادته الجامعية و كلا منه له روايته. فالسيدات لا يجدن عمل أثناء النهار يحمي لهم ماء الوجه أمام أعين أولادهم المنصوبة كمدافع صوبهم من عمل يجلب لهم الخزي و العار في ثقافة مجتمع لا يعرف قيمة العمل الشريف . فلهذا يعملن في عمل يتطلب عليهم الصباح الباكر غالبا ما تكون الشبورة تمحي تفاصيل وجوههم عن بعد و كأنهم يتسترون وراء نقاب الطبيعة و ستر ربهم عليهم كستار يوشحن به من البرد أي للاختباء به من قسوة المعيشة . فهؤلاء البسطاء يعدون الحياة للأغنياء ليستقلوا سيارتهم بفخامة لا تكذب بل تتجمل. الشيء الآخر يتم بمنزلي حيث أنني لا أنام ليلا لرسم لوحاتي يستحوذ عليّ صوت كل يوم و في نفس الميعاد صوت الاسانسير فجرا في سكون البناية التي أقطن بها بالطابق التاسع و هو صوت جامع الزبالة و هذا العامل لا يراه أحد بالبناية إلا البواب لكونه يفتح له فجرا فيأخذ الزبالة المخزنة له بكل طابق علي الدرج الذي بخلف الاسانسير في الصباح الباكر و هذا لعدم تجول عربات القمامة بشوارع القاهرة الكبري أثناء النهار كل هذا طبيعي لكن ما يدهشني في هذه القصة حدوتة قبل النوم سأقصها عليكم:
الزوجة: تنادي علي أبنتها ” ما تنسيش تطلعي الزبالة “
الابنة : تتعمد عدم السمع ( طناش ).
الزوجة: ما تنسيش تطلعي الزبالة
الابنة : مش فاضية
الزوجة ( بصوت عال): طلعي الزبالة
الابنة : مفيش غيري في البيت ده ؟!
عجبا علي أولاد يتمتعوا بالراحة و ثراء آبائهم فهذا الدرس الأول لرفاهية الحياة الحديثة أولاد في مطلع الحياة يتذمروا علي مسافة لا تتعدي ثلاث أمتار أو دقيقتين بينما نجد سيدات طاعنات في العمر يعملن بالبرد القارص و يلبسن أكياس في أيديهم من شدة الصقيع بصاج السيارات للتنظيف بفوطة قديمة و ماء بجردل ( سطل ) يحملن علي أيديهم من سيارة إلي أخري وفي مقابل هذا يحصلن علي القليل الذي يبقي علي حياتهم في تمتمة بشفاههم
قليل متقطع …. خير من كثير منقطع”
يا تري هل من نقابة تحمي هؤلاء البسطاء؟
متي تتحقق العدالة الاجتماعية؟
ام أن الفقراء هم مشاة الأغنياء في كتيبة الحياة ؟
طوبى للفقراء بالروح. لان لهم ملكوت السموات.
شكرا استاذ أيمن، على دعوة التأمل والتفكير، لكي نستطيع ان نري ما حولنا.