عزيزتي مي
قرأت لك تاريخ امرأتين في روايتين: “حكاية ماتيل” وروايتك الجديدة التي ستنشر قريبًا [نُشرت بعنوان “ألماسة مادلين”]، ووجدتك خير من يروي ويجمع تاريخا في كتاب. واليوم أقرأ تاريخك أنت “صحافية بثياب الميدان”، فيزداد إعجابي وتقديري لامرأة عايشت الأحداث وحافظت على صلابتها وموضوعيتها، امرأة خاضت المعارك بحضورها وقلمها، فكانت الشاهد الحي لما جرى، وأرّخت حرب لبنان بواقعيتها، وليس بوجهات نظر السياسيين وتبع مصالحهم.
“صحافية بثياب الميدان” يصوّر ليس تاريخ لبنان فقط، وإنما تاريخ مي ضاهر يعقوب، وفكر مي ضاهر يعقوب، ورقيها وتواضعها وعلمها ومعرفتها.
تنقلنا فيه من جبهة الى جبهة، تضع يدها على الجراح النازفة، محاولة إيقاف النزف بالإضاءة على الواقع الإنساني، ومحاكاة إنسانية الإنسان في خضم هذا البركان.
نرى الجراح والعذاب، وبالمقابل نجدك تبحثين عن بصيص نور، وأمل، لتوجيه الأنظار الى الخير الكامن في الإنسان.
تمسكين بأيدينا وتأخذيننا في جولات معك، من بيروت الى الجنوب الى الجبل فالشمال فالبقاع. لم يبق مكان إلا وقصدته، في أصعب الظروف وأحلكها، ساعية لإيصال صوت المتألم والمظلوم. أحداث من الحرب بقيت في أذهاننا مشتّتة، فأعدت جمعها لتنتظم، ونعيد تركيبها والنظر والتأمل فيها وفي أسبابها ونتائجها.
أضأت على المرأة، فكان وجودها البلسم للجراح، ورقّة قلبها وحكمتها انعكاسًا للخير في زمن الشر. من زينة العلي، الى خولة أرسلان، الى صونيا فرنجية، الى رندة بري فنهاد سعيد القائلة: “إنّ دم أخي مهدور لبلاد جبيل ولا يمكن أن أساوي دمه بقتل أبرياء”. فحكّمت عقلها رغم عظيم مصابها بأخيها!
أما مقالتك عن ميشال عون بعد غياب عن الصحافة، وإصرارك على إعادة صياغتها ثم نشرها المفاجئ، فكانت بمثابة نصر ذاتي لي، كما لو كنت أنا من كتب ومن نُشر له على “غفلة”، فذقت معك فرحة النصر والعودة!
وأعادتني أقاصيصك الثلاث الأخيرة الى مي الروائية، المجيدة في نقل القصص الواقعية، محطّمة كل الحواجز لتدخل مباشرة الى قلوبنا، فتلامسها بل تعصرها بعفويتها وصدقها، فيتقطّر ذوبها دموعا من مآقينا.
أما المقالات العلمية في نهاية الكتاب، فتعكس لنا مدى سعة اطّلاع مي وعلمها ومعرفتها، ونجاحها في استخدام الحادث ليكون حدثًا مفيدًا يسير بنا في دروب العلم والمعرفة.
لقد تأكّد لي من جديد عزيزتي مي، أن نجاحك في الرواية ينبع من كونك صحافية ناجحة، تعرف كيف تأسر الحدث وتنقله لنا وبمصداقية، فتجعل طريقه رحبة سهلة الى قلوبنا، وتزيدنا قناعة بما صرّحت به في بداية الكتاب، وهو أن الصحافي هو أفضل من يكتب التاريخ.
ما قرأته لك حتى الآن يؤكد لي أن مي ضاهر يعقوب ستبقى امرأة حيّة في ذاكرة الرواية والتاريخ لمن يعرف الأدب الروائي الحق والتاريخ الحق.
مارلين وديع سعادة
(الثلاثاء 30-6-2015)