البروفسور الأب يوسف مونس
اللقاء التاريخي الذي حدث بين بابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس وشيخ الازهر أحمد الطيب، هو حدث تاريخي كأنه عاصفة عنصرة جديدة للمحبة والحوار والاهتمام والتفاهم وقبول الاخر المختلف، والمفترق أنه شبه زلزال كبير فتح باب اللقاء على مزيد من الوقوف معاً، لأجل حرية الإنسان واحترام شخصه وكرامة انسانيته وحقه في الإيمان والحرية والمساواة والكرامة، ورفض الإرهاب وإدانته، والحكم عليه أنه خطيئة وشر كبير، وليس فقط فساداً وإساءة وفهم للايمان والكتب السماوية.
بين بابا روما وشيخ الأزهر محبّة وحوار
في السابق، لم يحصل لقاء بين حبر أعظم وشيخ الازهر. إنه لقاء تاريخي يحدث لأول مرة في التاريخ، البابا فرنسيس يستقبل شيخ الأزهر أحمد الطيب.
هذا اللقاء أعاد الحوار بين الأديان مرة أخرى، بعد قطيعة استمرت لاكثر من خمس سنوات، بعد تصريحات البابا السابق بنديكتوس السادس عشر في جامعة رايتسبون، وخلال محاضرة استشهد فيها البابا بكلام فيلسوف ربط بين الإسلام والعنف.
وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان الذي التقيت به أنا شخصياً في الازهر خلال زيارتي الأخيرة لمصر، صرح أن عدة لقاءات تمت في خلال الأسابيع الماضية بين الازهر وممثلي الكنائس الغربية وسفير الفاتيكان في القاهرة، وكنت قد التقيت بالقائم باعمال السفارة البابوية في القاهرة، أنا شخصيا،ً بسبب وجود السفير البابوي خارج مصر، وأعلن الأزهر أن الهدف من هذا اللقاء هو خدمة الإنسانية جمعاء، وليس المسلمين فقط، وإن رسالة الازهر العالمية تنشد تحقيق الاستقرار للبشرية جميعاً، وأن اتفاقية اقيمت بين الفاتيكان والازهر منذ عام ،1989 واليوم يجب تحديثها والخروج برسالة قوية للعالم تسهم في مواجهة الارهاب والتطرف وتحقيق السلام والاستقرار…
2006 توتر بسبب مرجع
سنة 2006 توترت العلاقات بين الأزهر والفاتيكان، عندما استشهد البابا بنديكتوس السادس عشر في أحد خطاباته، بقول احد الفلاسفة الذي ربط بين الاسلام والعنف، في محاضرة في جامعة رايتسبون الالمانية لطلبة هوية دينية لاهوتية، فاستاء الازهر جداً ولم تنفع الشروحات القائلة إن الكلام ليس للبابا بل هو استند الى مرجع لمفكر فيلسوف ربط العنف بالاسلام. لكن سنة 2008 اعيد الحوار الذي كان مجمداً منذ مدة طويلة.
قمة روحية ودية جداً
واتت هذه القمة التاريخية الودية جداً بين بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر بين البابا فرنسيس والشيخ احمد الطيب. لقاء وصف «بالودي جداً» استغرق نصف ساعة، وتم التطرق فيه الى “السلام في العالم ونبذ العنف والارهاب والكراهية والى وضع المسيحيين في الشرق وفي اطار النزعات والتوترات والحروب والمجازر في الشرق الاوسط وعمليات التطهير الديني والتوحش الاخلاقي”.
لقاء تأسيسي
هذا اللقاء هو فعل تأسيسي تاريخي بين المؤسستين الدينيتين، بعد عشر سنوات من التوتر والعنف والصور المشوهة للإسلام من الكثير من الفتاوى المخجلة والمهينة لكرامة المرأة والرجل.
وقد توج هذا اللقاء بقبلة سلام وعناق ودي جداً اسس لهذا «اللقاء» الفاتح الباب الملوكي للحوار والاحترام والمسؤولية المشتركة بين الكنيسة الكاثوليكية والاسلام.
سنة 2000 البابا في الازهر.
في السابق كان البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني زار شيخ الازهر الراحل محمد طنطاوي في القاهرة في 27 شباط 2000. وتم اللقاء في مكتبة الفاتيكان وقدم البابا فرنسيس لضيفه نسخة عن رسالته العامة حول البيئة: كن مسبحاً وكذلك ميدالية السلام.
الإسلام المشوه
هذه الزيارة التاريخية اخذت تحضيراً دقيقاً لها ومبادرات قام بها البابا فرنسيس خاصة بزيارته للمساجد والكنائس اليهودية، في زمن يتوجس الغرب من المسلمين ويتنامى فيه التشدد التكفيري، وسقوط النقد الفكري اللاهوتي الديني وجنون الفقه والفقهاء والدعاة، للوصول الى مركزية واحدة في الدين هي الجنس والنكاح يطل الازهر، حاملاً رسالة تسامح وفتح صفحة جديدة بعد حادثة خطاب راتسبون بالمانيا عام 2006.
الشيخ عباس شومان، اشاد بالمواقف الجيدة للبابا فرنسيس حيال المسلمين سهلت هذا اللقاء الذي سمح بتصويب المفاهيم المغلوطة التي دستها الجماعات الارهابية المتطرفة، العلاقات التي قطعت تماماً عام 2011 بعد اعتداء دام على كنيسة قبطية في الاسكندرية خاصة ان الموقف العلني في محاضرة راتسبون هو مرجع تاريخي وليس اعلانا بابوياً.
مكافحة العبودية
في اذار 2014 شارك احد مسؤولي الازهر محمود العزب في مبادرة بين الطوائف لاطلاق شبكة لمكافحة شتى اشكال العبودية الحديثة والاتجار بالبشر، فلم يقطع الحوار بل بقي معلقاً، وسنة 2013 ابدى البابا فرنسيس قلقه من سلسلة اعمال للعنف الاصولية، ودعا الى تفادي التعميم، لأن الاسلام الحقيقي يتعارض مع اي شكل من اشكال العنف، وان الحوار ممكن والتعايش ممكن بين المسيحيين والمسلمين.
فرنسيس بابا الانفتاح
هذا البابا هو بابا الانفتاح، فقد التقى بطريرك موسكو وعموم روسيا للارثوذكس سيريل بعد اكثر من الف سنة من القطيعة بين كاثوليك الغرب وارثوذكس الشرق. وسيسافر الى اسوج في تشرين الاول للاحتفال الى جانب البروتستانت بالذكرى الـ500 لإطلاق مارتن لوثر حركة الاصلاح. وهو يقيم علاقات جيدة مع المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية… وكان نقل معه الى روما خلال زيارته الى جزيرة ليسبوس اليونانية ثلاث اسر مسلمة معلناً: انه لم يميز بين مسيحيين ومسلمين.
“لقاؤنا” اساسه الله
“لقاؤنا» هو الرسالة. ودلالات المحبة المهمة في اطار حوار عميق، والبحث في جهود نشر السلام والتعايش المشترك وارادة تحديث الفكر الديني الاسلامي، لمواجهة الايديولوجيات الجهادية والتكفيرية والحفاظ على لقاء التراث الاسلامي الحضاري والفكري والثقافي والفلسفي والابقاء على العقل المنفتح المستور باحترام حقوق الاقليات والمجتمعات المتنوعة.
في النهاية بفرح وايمان يمكننا ان نصلي ونقول: ما اجمل اقدام المبشرين بالسلام… سلام على الارض، محبة لأن الله محبة هو.