مشروعَ “تمام”… أنموذج وقدوة

henry awit

د. هنري عويط

(المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربيّ)

يُسعدني أن أشاركَ باسم مؤسّسة الفكر العربيّ في حفل افتتاح ملتقى “تمام” الحادي عشر، وأن أنقلَ إليكم تحيّاتِ رئيسِ المؤسّسة، صاحبِ السموّ الملكيّ الأمير خالد الفيصل، ورئيسِ مجلسِ إدارتها، صاحبِ السموّ الملكيّ الأمير بندر بن خالد الفيصل، ومجلسِ أمنائها، وأسرةِ العاملين فيها، مقرونةً بأطيبِ التمنيّات بنجاح أعماله.

إنّ مؤسّسةَ الفكر العربيّ شريكةٌ في مشروع “التطوير المستند إلى المدرسة” “تمام”، وهي فخورةٌ بهذه الشراكة، لأنّ التربيةَ هي في صُلبِ رسالتها وأهدافها، وفي صميمِ اهتماماتها ونشاطاتها، ولأنّ “تمام” مشروعٌ تربويٌّ رائد. وما حضورها اليوم إلاّ تعبيرٌ عن اقتناعها الوطيد بأهميّةِ التربية وبضرورة التعاون وجدوى التكامل. لقد نشأت مؤسّستُنا كمبادرةٍ تضامنيّة بين الفكر والمال، ولأنّها تؤمن إيماناً راسخاً بأنّ التعاونَ ثقافة، وبأنّنا، في عالمنا العربيّ، أحوجُ ما نكونُ إلى اكتسابها، وإلى تجسيدِها وترجمتها في شتّى الحقول والمجالات، وعلى مختلف الأصعدة والمستويات، فهي تدعو بإلحاح إلى الإعلاء من شأن هذه الثقافة، والسعيِ الدؤوب إلى نشرها وتعميمها، والعملِ الجاد على تعزيزها فكراً وممارسة .

ولقد حرَصت المؤسّسة باستمرار  على أن تقيمَ كلَّ المبادرات التي أطلقتها، وكلَّ المشاريع التي دعمتها، وكلَّ البرامج التي تتولّى تنفيذَها، على مبدأي الشراكة والتعاون. حسبيَ أن أشيرَ هنا إلى مشروع “الإسهام في تطوير تعلّم اللغة العربيّة وتعليمها “عربي 21″، الذي يحظى بدعمٍ من مدينةِ الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومشروعِ “مجتمع الممارسة المِهنيّة لتطوير التعليم في الدول العربيّة “تربية 21″، ومشروعِ “تعزيز الحوار والتماسك الاجتماعيّ من خلال دعم القيم الانسانيّة المشترَكة “جداريّات”، وهما يُنفذّان بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليميّ للتربية في الدول العربيّة.

فدعوني في هذه المناسبة أجدّد دعمَنا مشروعَ “تمام”، لأنّه يمثّل في نظرنا أنموذجاً وقدوة لما ندعو إلى تطبيقه. فهو قائمٌ على مبدأ الشراكة النِديّة بين مؤسّسة الفكر العربيّ والجامعةِ الأميركيّة في بيروت، هذه المؤسّسة العريقة والمتميّزة التي نحتفل هذا العام بذكراها المئة والخمسين، وتضمّ شبكةُ الأعضاء المنتسبين إليه مدارسَ من القطاعَين الرسميّ العامّ والأهليّ الخاصّ، ولا يقتصر على بلدٍ واحد بل يشمُلُ عدّةَ دولٍ عربيّة، فضلاً عن نجاحه في إرساء علاقاتِ حوارٍ وتفاعلٍ وتعاونٍ مثمر وبنّاء بين أهل الاختصاص من الأكاديميّين وأصحابِ القرار وصانعي السياسات في وزارات التربية والتعليم في البلدان العربيّة.

لن أتحدّثَ عن أهدافِ مشروعِ “تمام”، ولن أستعرضَ إنجازاتِه، ولن أُبرزَ مسيرةَ تطوّره المتنامي من خلال اتّساع مدى انتشاره الجغرافي بانفتاحه على بلدانَ عربيّة جديدة، أو بفضل انضمامِ المزيدِ من المدارس إليه. لكن يهمّني أن أنوّهَ هنا بأهميّةِ الموضوعِ الذي تمّ اختيارُه شعاراً لملتقى “تمام” الحادي عشر. إنّ المعنيّين بشؤون التربية يُجمعون اليوم، لا على الدعوةِ إلى توفير التربية للجميع وتحقيقِ ديمقراطيّةِ التعليم فحسب، بل على الدعوة أيضاً إلى تحسينِ نوعيته وضمانِ جودته. وممّا لا شكَّ فيه أنّ تنفيذَ هذه المهمّة  النبيلة يقع بالدرجةِ الأولى على عاتقِ المعلّمين. ولقد وعى القيّمون على مشروع “تمام” هذه الحقيقة، فأولَوا مسألةَ إعدادِ المعلّمين وتدريبِهم وتأهيلِهم وتطويرِ كفاءاتهم عنايتَهم المركّزة. وهم يعرفون حقّ المعرفة أنّ التربيةَ منظومةٌ متكاملة، ولا بدّ بالتالي أن نسعى إلى بناء مجتمعاتٍ مهنيّة تعلّمية، وأن تشمُلَ عمليّةُ التطوير الأطرافَ المعنيّةَ كلَّها، وزاراتٍ وبرامجَ ومناهجَ وإدارةً ومبانيَ وإنشاءاتٍ ومكتباتٍ ومختبراتٍ ومعدّاتٍ وتجهيزات، فضلاً عن أولياء الطلبة. ولكنّ القيّمين على مشروع “تمام” يدركون أيضاً تمامَ الإدراك أنّ محورَ العمليّةِ التربويّةِ كلِّها، هو التلميذ، لأنّه الأساسُ والمنطلق، والغايةُ والهدف، ويدركون أنَّ تزويدَه بالمعارف والمهارات، وتفجيرَ مواهبه الكامنة، وإطلاقَ طاقاتِه الخلّاقة، وبناءَ شخصيّته المتكاملة والمتوازنة، وأنّ معاملتَه لا كمتلّقٍ منفعل بل كشريكٍ فاعل، وأنّ الاستعاضةَ عن الأنماط التقليديّة في التلقين بالأساليبِ الحديثة الناشطة، وباختصار، إنّ القيّمين على مشروع “تمام” يدركون أنّ الانتقالَ من مسارات التعليم إلى مسارات التعلّم، هي الإجراءات الكفيلةُ بإعدادِ التلميذ الإعدادَ الملائمَ والوافي ليضطلعَ بدوره كمواطنٍ واعٍ وحرٍّ  وفاعلٍ ومسؤول، وهي ما يسوّغُ الجهودَ المبذولة للارتقاء بالتربية إلى أرفع المستويات، بل هي المعاييرُ  التي على أساسها يتِمُّ تقييمُ أداءِ الوزارات وإداراتِ المدارس وأساتذتها.

فدعوني أهنئُ القيّمينَ على مشروع “تمام” على حسن اختيارهم “نحو بناء المجتمعاتِ المهنيّة التعلّميّة لخدمة التعلّم والطالب”، موضوعاً للملتقى الحادي عشر، وعلى البرنامجِ الحافل، المكثّفِ والغنيِّ والمنوَّع الذي أعدّوه، ودعوني أشكر باسمكم جميعاً أعضاءَ الفريق الذي سهِر على حسن تنظيمه، ومجموعةَ الخبراء الذين سيُغنون جلساتِه العامّةَ والمتوازية بمداخلاتهم المضيئة وخِبراتهم الثريّة وتجاربهم المجدِّدة والمبتكرة.

واسمحوا لي أن أخصَّ بالشكر المملكةَ الأردنيّةَ الهاشميّة التي تستضيف عاصمتُها ملتقانا هذا بأصالتها العربيّة المعهودة، وأن أعربَ عن عميق امتناننا لمعالي وزير التربية والتعليم، الدكتور محمّد الذنيبات، ممثّلاً بعطوفة الأستاذ زيدان علويين مدير دائرة الامتحانات والاختبارات، على رعايته الكريمة، وعن تقديرنا البالغ للمبادرات التربويّة الكثيرة والجريئة التي أطلقها، وأن أرحّبَ بحرارة بجميع مَن لبَّوا الدعوةَ إلى المشاركةِ في فعاليّات هذا الملتقى. واسمحوا لي أن أوجّهَ تحيّةَ عِرفانٍ وتقدير إلى سعادة الشيخ خالد التركي الذي تدين له التربيةُ عامّةً، ويدين له مشروعُ “تمام” بالذات بالكثير من الرعاية المحفِّزة والدعم السخيّ.

أتمنّى لملتقانا أن يتكلّلَ يما يستحقّه من التوفيق والنجاح.

عِشتم، عاشت التربية،

وعليكم، أيّها الكرام، ألفُ سلام!

*****

(*) ألقيت  في ملتقى “تمام” الحادي عشر ” تمام كحركة تربويّة تطويريّة: نحو بناء المجتمعات المهنيّة التعلّميّة لخدمة التعلّم والطالب”، الذي عُقد في فندق اللاند مارك، عمّان- الأردن في 20-22 مايو 2016.

 

اترك رد