بلال حسن التل
(كاتب- الأردن)
لاحتفالنا بعيد استقلال الأردن هذا العام خصوصية، يجب أن نتوقف عندها طويلاً، ذلك أنه يأتي في غمرة احتفالاتنا بمئوية الثورة العربية الكبرى التي تشكل الدولة الأردنية الحديثة ثمرتها المادية الوحيدة الباقية، بعد أن عصفت رياح الغدر بالمملكتين الفيصليتين في سوريا والعراق.
مستذكرين أن الأردنيين تنادوا فيما بينهم، ثم نادوا على الشريف الحسين بن علي ملك العرب وقائد ثورتهم الكبرى،لإرسال أحد أنجاله ليقود حركة تحرير سوريا التي سقطت بيد الفرنسيين بعد معركة ميسلون والاحتلال الفرنسي لدمشق، أي أن الدولة الأردنية الحديثة قامت على أساس أنها قاعدة لتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورة العرب الكبرى، وفي طليعتها الحرية والاستقلال في ظل دولة الوحدة، ترجمةً لأشواق أحرار العرب وفي طليعتهم الأردنيين الذين يحتفلون اليوم بعيد استقلالهم في لحظة حرجة من تاريخهم وتاريخ أمتهم، حيث تكشف التطورات التي نعيشها عن أن المستعمر الذي غدر بالعرب وثورتهم، وقسم بلادهم وفق اتفاقية «سايكس بيكو» على خلاف طموحاتهم وأحلامهم التي ثاروا لتحقيقها، وفي طليعتها بناء دولتهم الموحدة القوية المستقلة، هو نفسه المستعمر الذي يسعى إلى إعادة تقسيم هذه البلاد من جديد، على قاعدة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، مما يوجب عليهم أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر، والسعي بكل السبل المتاحة لتفويت الفرصة على مخطط التقسيم الجديد.
وهذا أمر لن يتم إلا إذا نجحنا في استثمار المناسبات القومية والوطنية ومنها مئوية الثورة العربية الكبرى وعيد الاستقلال لشد العصب الوطني لبناء جبهة داخلية قوية ومتماسكة، نعبر من خلالها إلى بناء جبهة قومية أقوى وأكثر تماسكاً، تكون قاعدة لتحقيق الحلم العربي في الحرية والسيادة والاستقلال، وصولاً إلى إيجاد صيغة من صيغ توحيد الأمة التي أذهبت الفرقة بريحها وجعلتها نهبا لكل طامع يستنسر البغاث في أرضها.
إن تلازم المناسبتين، أعني مئوية الثورة العربية الكبرى وعيد استقلال الأردن، يفرض علينا كأردنيين أن نحول هذا التلازم إلى لحظة مراجعة حقيقية لمسيرة قرن امتزج خلاله الأردن وثورة العرب امتزاجاً كاملاً،بأن ننحى باحتفالنا بالمناسبتين منحى غير هذا الذي نراه من حصر الاحتفالات بالمهرجانات والخطابات والكرنفالات، وننتقل بها إلى ما هو أهم وأجدى، وأول ذلك أن نستذكر الأهداف التي وضعها المؤسسون الأوائل للدولة الأردنية الحديثة، والتي شكلت امتداداً لأهداف أحرار العرب وثورتهم الكبرى، قبل أن يتم الغدر بها وهذا يعني أن نتحرك على أساس أننا دولة دور ورسالة من مكوناتها العمل على إعادة جذوة الوعي لدى أبناء الأمة بأهمية وحدتهم لتحقيق أشواقهم وطموحاتهم وإنقاذ مصيرهم، وهو المصير الذي لا فكاك من وحدته، وواقع الأمة الراهن خير دليل على ما نقول.
الجرح النازف في العراق هو سبب رئيس من أسباب النزف السوري، ومن ثم وهن الجسد الأردني وسائر مكونات الجسد العربي الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وإلا دلوني على بلد عربي معافى في ظل ما يجري في العراق وسوريا ومثلهما ليبيا. إن بناء الوعي بهذه الحقيقة هو الطريق الوحيد للخروج مما نحن فيه من ضعف وشرذمة وهوان، وهي حالة ليست فريدة في تاريخ أمتنا حتى نستسلم لها، فلقد مرت أمتنا بما هو أسوء من ما نحن فيه، من فرقة وتمزق واقتتال وفتن، ومراجعة بسيطة لمرحلة الغزويين التتاري والصليبي تؤكد ما ذهبنا إليه، ومع ذلك خرجت الأمة منهما واستعادة دورها كأمة فاعلة ومؤثرة وشريكة في حركة التدافع الحضاريه الإنسانية، وهو ما يمكن أن نكرره إن نحن لم نستسلم لثقافة اليأس والإحباط والقنوط، التي يحاول البعض ترسيخها في وجداننا،لذلك فإننا ندعو إلى جعل احتفالنا باستقلال الأردن ومئوية الثورة العربية الكبرى نقطة انطلاق تؤسس لثقافة الأمل بمستقبل هذا الوطن وهذه الأمة.
ولنتذكر أن الأنبياء يبعثون إلى المجتمعات الكافرة، وأن المصلحين يظهرون في المجتمعات الفاسدة، وأن الأبطال يحققون المستحيل في المجتمعات المهزومة، وهذه هي القيمة الحقيقية للرسل الذين ختموا بمحمد عليه السلام،وهذه هي القيمة الحقيقية للمصلحين والأبطال الذين لا ينتهي زمانهم، ما دام على هذه الأرض شعوب تحن إلى الخروج من واقعها المهزوم والمأزوم كواقعنا، الذي نُحيي في ظله مئوية الثورة العربية الكبرى وعيد الاستقلال، وهو الاحتفال الذي يوجب علينا أن نتذكر أننا أبناء وأحفاد رجال رفضوا الظلم وسعوا للبناء،وامنوا بمستقبل أمتهم رغم ما كانت تعيش فيه من وهن وتخلف، ثاروا عليه وصار علينا أن نواصل العمل لتحقيق أحلامهم، متسلحين بثقافة الأمل التي صنعت الثورة والاستقلال.