محمد عارف مشّه
(أديب- الأردن)
كنست الحوش . رشّت الماء بيدها من إبريق فخّاري . أعدّت له متكئا . أحضرت طعام العشاء على صينية من قش . وضعت الطعام وإبريق الشاي والماء البارد أمامه . صرفت الصغار إلى اللعب بعيدا عن إزعاج الأب . أحمد الصغير تشاغل عن الجوع باللعب في كرة مصنوعة من جورب قديم . تشاغل خالد بكتابة درس الإملاء ليكمله مائة مرّة . عائشة توكلت بمهمة إبعاد الدجاجات خشية أن تلقي إحدى الدجاجات بزقّها فيصاب الأب بالقرف من الزّق ولا يكمل عشاءه.
جلست الأم بعيدة تنتظر أن يفرغ الأب من تناول العشاء بحياكة بنطال أحمد المثقوب بوضع رقعة قماش ذات لون مختلف عن لون البنطال ، فوافق أحمد على مضض وهو يمني النفس بشراء بنطال جديد حين يستلم الأب راتبه الشهري .
فرغ الأب من تناول الطعام . تجشأ . أسرعت الأم بصب الماء البارد في الكوب وهي تبسمل وتحوقل خوفا على زوجها . صبّت له الشاي في الكوب . غضّت بصرها حين وجدت الصحون فارغة وهي التي صبّت كل الطعام في هذين الصحنين . حارت في كيفية توفير طعام العشاء للأولاد ولم يستلم الأب راتبه الشهري منذ ثلاثة أشهر .
أسرع الأولاد نحو صينية الطعام فكانت عائشةأول من أصيبت بفجيعة الصحون الفارغة فجلست مستكينة تلعب بجديلتيها بخيبة قبل أن يصل أحمد وأخوه خالد لمصيبة فقد الطعام . دارت الأم خجلها بغطاء رأسها وهي ترفع صنية القش الخالية من الطعام .
ـ أمي أنا جائعة قالت عائشة .
تجاهلت الأم نداء الجوع وواصلت سيرها فأكمل أحمد مشجعا أخته : انتظري يا عائشة ستملأ لنا أمي الصحون وتحضر لنا الخبز الشهي . فأنا شاهدتها اليوم تخبز الخبز في الطابون وكانت رائحته شهية .
ـ وأنا شاهدتها تعد الملوخية والأرز هذا اليوم بعد أن قام جارنا بذبح إحدى دجاجاتنا ونتفت أمي ريشها . لابدّ أن عشاءنا شهيها هذا المساء . قال جملته الأخيرة وهو يتلمظ بشفتية لذّة واشتهاء .
عادت الأم فتهللت وجوه الأولاد وجلسوا استعداد لتناول طعام العشاء الشهي . اقتربت الأم . وصلت . وضعت صينية القش فوقها ثلاثة أرغفة من الخبز .
صرخ الأولاد بدهشة : أين طعام العشاء؟