بمناسبة تحرير الرطبة مجلس تنسيق أردني.. عراقي لم لا؟

bilal tal

بلال حسن التل

(كاتب- الأردن)

ما أن أعلن العراق الشقيق عن أن قواته تمكنت من تحرير الرطبة, حتى سارع أكثر من مصدر عراقي للإعلان عن أن تحرير الرطبة هو خطوة مهمة لإعادة فتح الطريق الدولي السريع الذي يربط العراق مع الأردن, وحرية النقل البري للمسافرين والبضائع بين البلدين الشقيقين, وإعادة تشغيل وتنشيط الحركة التجارية الدولية عبر هذا الخط. مما يعكس توق الاشقاء العراقيين لإعادة العلاقات الأردنية العراقية إلى عهود ازدهارها.

الأنباء السعيده الواردة إلينا من خاصرتنا الشرقية في العراق تأتي بين يدي الإعلان عن قيام مجلس التنسيق الأردني السعودي, وقرب موعد اجتماعات هذا المجلس, الذي أثار الإعلان عن قيامه الحديث من جديد عن أهمية التكامل العربي، في كل المجالات، وفي مقدمتها الاقتصاد، فمن الواضح أنه وبسبب التجزئة الجغرافية للوطن العربي حتى على مستوى الأقاليم مثل الهلال الخصيب، ووادي النيل، وشمال أفريقيا، والجزيرة العربية لم يعد هناك بلدعربي يمتلك منفرداً مقومات بناء اقتصادي قادر على الصمود والمنافسة، في نفس الوقت الذي لا يستطيع فيه بلد عربي أن يحمي نفسه من تداعيات الأحداث في سائر البلدان العربية خاصة المتجاورة منها، وخير مثال على ذلك حالتنا الأردنية.

 رغم حالة الاستقرار الأمني التي نعيشها ونحمدالله عليها، فإننا نكتوي بنيران الفتنة التي تعصف بإخوتنا في كل من العراق وسوريا، ليس بسبب موجات اللجوء من البلدين وما تسببه من أعباء اقتصادية سواء على صعيد البنية التحتية، أو ارتفاع الأسعار، وغير ذلك من الأعباء التي تفرض علينا الإخوة والواجب القومي أن نتحملها، فمثلما شكل العراق وسوريا أيام رخائهما رئتين كنا نتنفس منهما، فإن علينا أن نكون معهما في أيام المحنة التي تعصف بهما والتي نسأل الله أن يزيلها عنهما في القريب العاجل.

ليس لهذا وحده نكتوي بنار الفتنة التي تعصف بالعراق وسوريا فهذا سبب من أسباب كثيرة لاكتوائنا بالنيران المشتعلة في العراق وسوريا، منها أنه رغم الفرقة والتجزئة التي نعيشها كأبناء وطن واحد،فإن الآخرين ينظرون إلينا بعين واحدة، ويتعاملون معنا كسلة واحدة، فبسبب الأحداث في العراق وسوريا تحجم نسبة عالية من السياحة عن القدوم إلينا في الأردن،باعتبارنا جزءاً من منطقة ملتهبة وغير مستقرة، مستدلين على ذلك بما يحدث في العراق وسوريا من تفجيرات، يذهب ضحيتها يوميا عشرات الأبرياء من أبناء الشعبين الشقيقين، وهكذا ندفع نحن في الأردن ضريبة غير مباشرة لعدم استقرار الأوضاع في العراق وسوريا.

 ونفس العين الواحدة التي ينظر بها الآخرون إلينا هي التي تجعلهم يتناسون الجانب المضيء من الصورة التي يرسمها الأردن كبلد وسطية واعتدال، فيعاملوننا كأردنيين على أننا جزء من منطقة يتسم أهلها بالتشدد والإرهاب، فتتشدد سفاراتهم في منحنا التأشيرات، وتخضعنا لإجراءات مذلة، وتجمع عنا من خلال طلبات التأشيرات التي نقدمهامعلومات أمنية تصيب في النهاية أمننا الوطني،حتى إذا نال أحدنا تأشيرة فإنه يخضع إلى إجراءات تفتيش مذلة في مطاراتهم خوفا منا،كقادمين من منطقة تضم العراق وسوريا.

هذه جوانب من اكتوائنا بنار المؤامرة التي تعصف بأهلنا في العراق وسوريا والتي تجعل من مصلحتنا أن نبذل كل جهد ممكن لإنقاذهم منها، إنقاذاً لأنفسنا، وإنقاذاًلاقتصادنا،ليس على صعيد السياحة فقط بل في كل المجالات الاقتصادية لأن طبيعة الاقتصاد في بلداننا يجعل كلا منها بحاجة ماسة للآخر،ولو على مستوى النقل والطرق في الحد الأدنى، ناهيك عن حاجة كل منها لأسواق الآخر لتصريف بعض منتجاته، أو لتبادل المنتجات فيما بينها إلى سائر مكونات الاقتصاد الأخرى.

هذه حقيقية نعيها تمام الوعي نحن هنا في الأردن، ولعل هذا سر اهتمامنا وترحيبنا بقيام مجلس التنسيق الأردني السعودي الذي نأمل أن يقدم نموذجا مختلفا للتعاون العربي العربي، يبنى على تبادل المنافع والمصالح من خلال التكامل بعيداً عن عقلية اغتنام الفرصة التي أفشلت تجارب عربية سابقة، خاصة في جانبها الاقتصادي، الذي هو المدخل الحقيقي لبناء التقارب بين الأفراد والجماعات والشعوب والأمم، ولنا في تجربة الاتحاد الاوروبي خير مثال على ذلك، فقد بدأت هذه التجربة بداية اقتصادية من خلال «اتفاقية الفحم» وتوسعت حتى شملت كل جوانب الحياة ،رغم ما بين الأوروبيين من أكوام جماجم وشلالات دم ليس هناك مثلها بيننا نحن في هذه المنطقة، التي نأمل أن تستمد عافيتها وأن تكون مجالس التنسيق مدخلاً لذلك من خلال الحرص على نجاح تجربة مجلس التنسيق الأردني السعودي ثم تعميمها، فمن الممكن أيضا أن تتم الدعوة لإقامة مجلس تنسيق أردني عراقي، يكون الحديث عن تحرير الرطبة مدخلاً للحديث عنه من خلال إستعادة العلاقات الأردنية العراقية لألقها وازدهارها وتكاملها، ولم «لا» فما يربطنا بالعراق كثير، وكبير، وراسخ، وأقوى، من أن تعصف به وتنهيه خلافات ستظل عارضة، مهما اعتقد البعض أنها كبيرة، فالجوار الجغرافي أكبر من هذه الخلافات وأبقى.

كذلك التاريخ والثقافة والمصاهرة المشتركة التي تجمعنا مع أهلنا في العراق فهي أكبر وأرسخ من أية خلافات يجب أن نعمل على إزالتها باعتبارها عرض زائل، ولنتذكر جميعا كيف شكل العراق رافعة للاقتصاد الأردني في الكثير من المراحل، مثلما احتضنت الجامعات العراقية الكثير من أبناء الأردن، تماما مثلما كان الأردن الرئة التي ظل يتنفس منها العراق، والحضن الدافىء للكثير من العراقيين الذين صارت نسبة كبيرة منهم أخوال لنا ونحن أخوالاً لهم، وهذه كلها مبررات لنفكر جديا بأن نسعى للمساهمة في وقف المؤامرة على العراق ومن ثم الدعوة لإقامة مجلس تنسيق أردني عراقي يمكن أن يشكل مع الأيام مع مجلس التنسيق الأردني السعودي قاعدة للتكامل الاقتصادي العربي مثلما كانت اتفاقية الفحم مدخلاً للاتحاد الأوروبي ولما لا؟

bilal

اترك رد