تَقاعُدٌ!؟ ولادة جديدة!

elie

إيلي مارون خليل

(أديب وشاعر- لبنان)

إنّ الإنسان كائنٌ زمنيٌّ يتخطّى الزّمن. وكلاهما لانهائيٌّ بالمُطلق. إذًا، فالإنسان، بما هو كائنٌ زمنيٌّ لانهائيٌّ، لا يُشَرنقُه زمنٌ، ولا يستطيع، هذا الزّمن، أن يُعَنكِبَه في شَرنقته. فهو حيٌّ أبدًا!

لذلك، إنّ الإنسانُ كائنٌ عدوٌّ للموت. يَغلبُ الموتَ، لا يغلبُه موتٌ. وبما أنّ الموتَ موجودٌ، فكيف يُفَسَّر الأمر!؟

وبما أنّ الإنسانَ لا يموت، والموتُ موجودٌ قائمٌ حاصِلٌ، فهو، في هذي الحال، خطوةٌ جديدةٌ نحو حياةٍ ما. خطوةٌ جديدةٌ نحو حياةٍ جديدةٍ. جسرُ عبورٍ بين حياتَين، زالت الأولى، وعلى الثّانية أن تبدأ. بين عالمَين، انتهى أوّلُهما، وجاءت حياةُ الثّاني. زالتِ المادّةُ الّتي انقطع إحساسُها. فالموتُ، إذًا، يحصُل للمادّة، لما يتجزّأُ، لما يتحلَّل. ألمُرَكَّبُ يتجزّأ، يتحلَّل، لأنّه يَفسد. والحياةُ تدومُ لغير المُتجزّإِ، لغير المتحلّل، غيرِ الفاسدِ.

وقِياسًا، حين تصل الحياةُ فينا إلى ما يُحدّده “القانون”، ما “يَسنّه” كأنّه قاطعٌ كأسنان المِنشار، ونُطفئ فيه، أو تُطفاُ لنا، شمعةُ العمرِ، للمرّة الرّابعة والسّتّين، يُقال إنّنا “تَقاعدْنا”! فماذا يعني؟

يرى بعضُهم أنّه توقُّفٌ عن مرحلة الحياة، وبَدْءُ مرحلة الاستعداد لـ:”الموت”. وإذا كانوا متفائلين، اعتبروا أنّه موتُ ما يتجزّأُ، يتحلَّل، يفسد، فينا، أيْ “ظاهرة” الجسد، إذ لهذه “الظّاهرة” خاتمة، أو نهاية، تُحَتّمُها “المادّة”! هذا واقع! لكنّه “واقعُ” البائسينَ الكَسالى الّلاطموح لهم، ولا أمل، ولا رجاء! إنّهم همُ “المتقاعدون”! “متقاعدونَ عنِ الأحلامِ، عنِ الإرادة، عنِ العَزْم، عن التَّجَدُّد. والإنسانُ!؟ ليس لهذه!

أمّا أنا، فأرى أنّه يعني “موت” مرحلةٍ من العمر، أيِ انقِضاء، أوِ انتهاء، أوِ فَناء، فترةٍ زمنيّة محدَّدةٍ، من عمرٍ لانهائيّ غيرِ محَدَّدٍ. أي أنّه بدايةُ حياةٍ، أو نوع حياة، غيرِ ما سبق. فـ”التَّقاعُدُ”، في هذه الحال، جسْرُ عُبورٍ نحو الحياة الجديدة المختلفة. فلكلّ مرحلةٍ نوعُ حياتِها، أو طريقتُه، أو أحلامُه والغايات. ولا يُعقَل ألّا تكونَ لمرحلةٍ ما، أحلامُها والطُّموح.

وإذًا، فإنّ ما لا شكَّ فيه، هو أنّ الإنسانَ، الكائنَ الزّمنيَّ الّذي يتخطّى الزّمنَ، أي يتجاوزُه نحو ما هو أفضلُ، وأكثرُ تَطوُّرًا ورُقيًّا حضاريًّا، هو “كائنُ التَّجَدُّدِ”، “كائنٌ يتجدّد”!

كيف يكون هذا!؟

لا قيمة فعليّة مهمّة للجسد. ألجسدُ يَشيخُ، يتعبُ، يُرهَق. وقد يَحرد ويحاول “الاستقالة”!

إنّما، بكون الإنسان يتخطّى ويتجاوز، ففيه ما لا يشيخ، ولا يتعب، ولا يُرهَق، ولا “يستقيل”!

هذه هي روحُه برؤاه، بأحلامه، بإرادته، بعزمه. هو يعرف، تمامًا، أنّ قيمتَه ليست في ما حقّق، أو أنتج، فحسْبُ، بل أيضًا، في ما يطمح إلى تحقيقه. قد يعجز عن تحقيق طموح محدَّدٍ، في مرحلةٍ محدَّدةٍ، فـ”يحمل” طموحَه معه إلى مرحلة تالية، ويعمل على تحقيقه، بغير تَوانٍ.  وقد لا يستطيع! ربّما لضيق وقتٍ، لقِصَر عمر، لاستعجال جسدٍ إلى التّخَلُّص والتَّحَلُّل في عنصر التّراب، ليرتاح وينساب لتنموَ فيه طبيعةٌ، أو ينمو، هو، فيها. فالتَّحَلُّلُ، تاليًا، عودةٌ منتظَرة، إلى “الأجزاء”. وإذا ما كان “الجسد”، فينا، على هذي الحال، فما القَول، إذًا، في النّفس، في الرّوح!؟

 وعليه، فما أُحِلْتُ إلى “التَّقاعد”، أنا! أنا انطلقتُ إلى تحقيق الأحلام! ولا تزال وافرةً، منوَّعةً، مختلفة، مضيئة! وإنّي، عليها، يوميًّا، بكلّيّتي، أنصبُّ! وإنّي، حتمًا، لَمُحقِّقُها!

ترغبون في معرفة “السّرّ”!؟

لا يتقاعد، مُطْلَقًا، إنسانٌ “يُحِبُّ”!

(ألأحد 1 نوّار 2016)

 elie 111

اترك رد