بلال حسن التل
تناولنا في المقال السابق بعض المؤشرات, التي تقود إليها ردود الفعل المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي, من الإخوان المسلمين «مجموعة همام سعيد»على مبادرة «تعالوا إلى كلمة سواء» التي طرحتها جمعية الإخوان المسلمين القانونية, وختمنا المقال بسؤال خلاصته: هل ما ورد من مضامين اتهامية في ردود الفعل هذه على المبادرة ينسجم مع أدب الحوار وأخلاق الإسلام؟.
للإجابة على هذا السؤال لا بد من عرض مضامين ردود الفعل ومفرداتها على النصوص القرآنية, وعلى وقائع السيرة,عندها سنخرج بإجابة مؤكدة هي «لا» كبيرة ,ذلك أن ردود الفعل هذه تجسد مؤشراً خطيراً, من المؤشرات التي يقود إليها التأمل في ردود فعل «إخوان همام»على المبادرة, ومصدر الخطورة أن الجماعة التي أسسها مرشدها الأول على أساس أنها جماعة تربوية تهدف إلى إحياء أخلاق الإسلام, صار بعض المنتسبين إليها يضربون عرض الحائط بأخلاق الإسلام, حتى مع أشياخهم وقادتهم, بعد أن ضربوا بها عرض الحائط مع كل من خالفهم الرأي من سائر مكونات المجتمع, الذي صار في عرف الكثيرين منهم مجتمعا «جاهلياً»ينظرون إليه نظرة فوقية,يعتقدون من خلالها بأنهم المكلفون بتصنيف الناس إلى مؤمن وكافر, والحكم على ضمائرهم ونواياهم, وهي خاصية لم يدعيها أنبياء الله ورسله لأنفسهم, لأنها مما اختص الله به نفسه, لذلك غضب رسول الله عليه السلام على أسامة بن زيدعندما قتل رجلاً شهد في المعركة أن «لا إله إلا الله» مبرراً ذلك بأن الرجل أنما قالها ليحمي نفسه فلم يقبل رسول الله هذا التبرير من أسامة وقال له «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا».
لقد استخلص الفقهاء من هذه الواقعة ومن أخرى مثيلة لها أحكاماً عدة منها: أن من ينطق بالشهادتين يصبح معصوم الدم والمال والعرض, ومنها قول الفقهاء:أن مقتضى العدل أن نأخذ الناس بظاهر أقوالهم وأفعالهم, ونكل سرائرهم إلى الله عزوجل لأنه وحده المطلع على ما تخفي الصدور,فإذا كان رسول الله عليه السلام قد أنكر على أسامة وهو»حبه وابن حبه»أن يحكم على إيمان الناس, فكيف يعطي بعض الإخوان المسلمين لأنفسهم خاصية لم تعط لرسل الله وصحابتهم, بل أكثر من ذلك فإن بعض الإخوان يبالغون في تصنيفهم للناس إيمانا وكفراً قربا وبعداً من الإسلام,ويتهمونهم بإيمانهم وإخلاصهم, وبما يسيئ إلى أخلاقهم,وهم بهذا يخالفون أبسط قواعد الإسلام وأوضحها وأكثرها جوهرية,وهي قاعدة مكارم الأخلاق التي « بعث رسول الله, ليتممها»ومن أبرز مكارم الأخلاق عدم رد السيئة بمثلها كما كان يفعل رسول الله ويأمر أصحابه, أن يفعلوا ففي السيرة إن رسول الله كان ذات يوم يجلس مع أصحابه،فجاء رجل وشتم أبا بكرالصديق – رضي الله عنه- وآذاه، فسكت أبوبكر ولم يرُدَّ عليه، فشتمه الرجل مرة ثانية، فسكت أبوبكر، فشتمه مرة ثالثة فرد عليه أبوبكر، فقام صلى الله عليه وسلم من المجلس وتركهم، فقام خلفه أبوبكر يسأله: هل غضبتَ علي يا رسول الله فقمتَ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «نزل مَلَك من السماء يكذِّبه بما قال لك، فلما انتصرت « أى رددت عليه»وقع الشيطان أي: حضر», فلم أكن لأجلس إذا وقع الشيطان»»رواه مسلم»
أن هذه الواقعة تنسجم مع مجمل التوجيه النبوي الذي يأمرنا بحفظ اللسان وعدم رد الأذى والشتيمة,فما بال أناس من الإخوان المسلمين لا يكتفون برد السيئة بمثلها, بل يبادرون بها بعد أن احترفوا الشتيمة, حتى لإخوانهم فوصفوهم «بالسفلة» و»الخونة», و»الكذابين» واتهموهم «بالإجرام» و»عدم الوفاء», وبأنهم «ثعالب»,ألا ينطبق على إطلاق هذه الأوصاف والاتهامات أثم الغيبة,ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل « أتدرون ما الغِيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال «ذِكْرُكَ أخاك بما يكره»، فقال أحد الصحابة: أرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ فقال الرسول:»إن كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّه». ألا يقرأ الذين يبادرون من الإخوان المسلمين إلى شتم إخوانهم, وغير إخوانهم ويتهمونهم بدينهم وسلوكهم,أحاديث رسول الله وتوجهاته, فيتوقفون عن شتم من كانوا إخوانهم واتهامهم بأقذع الاتهامات, مما أوردنا بعضه في رصدنا لردود فعلهم على مبادرة «كلمة سواء», مما يؤكد أن هؤلاء استمرؤا أكل الميتة, مصداقا لقوله تعالى «أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» وأنهم يضربون عرض الحائط بالتوجهات النبوية, وأولها قوله عليه السلام»لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه, ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» ومنها أن أمرأتين صامتا وكانتا تغتابان الناس, فعلم النبي عليه السلام فقال عنهما «صامتا عما أحل الله وأفطرتا على ما حرم الله». كثيرة هي الأخلاق التي أمرنا بها إسلامنا العظيم, وفي طليعتها الامتناع عن سوء الظن بالناس لقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا» فلماذا صار سوء الظن والغيبة جزء من الخطاب السري والمعلن للإخوان, وهي آفة تذهب بالصلاة والصيام وكل العبادات لقوله تعالى «المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا…»فهل وصل الإخوان المسلمون إلى مرحلة الإفلاسب الحجة فاستبدلوهابشتم إخوانهم وغير إخوانهم ممن يختلفون معهم بالرأي؟!