علامة فارقة في المشهد الوطني اللبناني
جوزيف إدكار طرابلسي
مدرسة في النظافة… والآدمية
خضر الفيحاوي
عصر السادس والعشرين من نيسان الفائت، أُعلنت من “بيت الوسط” “لائحة البيارتة” لانتخابات المجلس البلدي لمدينة بيروت، برئاسة المهندس جمال عيتاني، ورعاية الرئيس سعد الحريري وحضوره. وقدّم عيتاني أسماء المرشحين على اللائحة وهم: مغير سنجابة، آرام ماليان، رامي عصام الغاوي، راغب حداد، هدى الاسطه، ماتيلدا خوري، جوزيف روفايل، يسرى صيداني، سليمان جابر، فادي شحرور، ايليا اندريا، عدنان عميرات، هاغوب ترازيان، بلال المصري، ساهاك كيشيشيان، عبدالله درويش، كابريال فرنيني، محمد سعيد فتحة، ايلي يحشوشي، خليل شقير، طوني سرياني، عماد بيضون وجوزيف طرابلسي.
وارتجل الرئيس الحريري كلمة قال فيها: “سننزل إلى صناديق الاقتراع وننتخب في الثامن من أيار، أنتم أهل بيروت، أنتم البيارتة، وهذه لائحتكم، لائحة البيارتة، هذه لائحة العيش المشترك، هذه لائحة المناصفة الحقيقية التي نادى بها دوما الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هذه اللائحة هي عبارة عن توافق أهل بيروت لإعمار بيروت وإنمائها ووحدتها وكرامتها، هذه لائحتكم، وسننزل إن شاء الله في 8 أيار لننتخبها، لكي نكرس لبيروت مناصفتها ووحدتها، كما أرادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
أحد الاعلاميين المخضرمين وصف التشكيلة البلدية بالممتازة، وقال إن الرئيس الحريري عرف كيف يصيب الهدف بـ “ضربة معلّم”، عبر تركيزه على “التوافق” و”المناصفة الحقيقية”، اللذين أقنع بهما مختلف التيارات والاحزاب السياسة، وبخاصة المسيحية، الانضمام إلى اللائحة، التي “تكرّس لبيروت مناصفتها ووحدتها، كما أرادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري”، على حد تعبيره.
موقف التيار الوطني
وعلى الفور، أوضح نائب رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق نقولا صحناوي أن الإنتخابات البلدية في جميع المناطق لها شق سياسي، لكنها في الأساس إنمائية بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أن هذا الأمر ينطبق على الواقع في العاصمة بيروت.
وفي حديث لموقع “النشرة” الالكتروني، لفت صحناوي إلى أن “التيار” يعتبر أن المشاركة في اللائحة المدعومة من تيار “المستقبل” في بيروت هي نوع من “المحاولة”، نظراً إلى أن الظروف لا تسمح للمكوّن المسيحي بخوض الإنتخابات فيها بشكل يسمح له باختيار ممثليه، بسبب الواقع الديمغرافي الحالي، وأضاف: “من هنا وجدنا مصلحة بالدخول في اللائحة من أجل تأمين المناصفة، بالإضافة إلى إيصال صوتنا داخل المجلس البلدي من أجل إيقاف المشاريع التي لا تكون صالحة ودفع تلك التي تكون لخير بيروت”.
أما بالنسبة إلى تمثيل التيار “الوطني الحر” في اللائحة، فأشار صحناوي إلى أن له ضمنها مرشحين من المنتسبين، هما سليمان جابر وجوزيف طرابلسي، في حين هناك مرشح ثالث إختاره المطران الياس عودة وتم تزكيته من التيار، وهو كابريال فرنيني، موضحاً أن الطموح كان أن يكون له 4 مرشحين، معتبراً أنه تمثيل جيد جداً، ومؤكداً أن هناك إتفاقاً على أجندة إصلاحية وإنمائية، والعبرة في التمثيل.
جوهرة نادرة
والواقع أن “التيار” أحسن إختيار مرشحيه، وبخاصة جوزيف طرابلسي، الذي وصفه مصدر مقرّب بأنه “مدرسة في النظافة، بل جوهرة نادرة من جواهر الآدمية”.
وقال إن جوزيف، أو “جو” كما يعرفه الاصدقاء والمقربون منه: “سيكون علامة فارقة في المشهد الوطني اللبناني، نظرا إلى المزايا والكفاءآت الاستثنائية التي يتمتع بها، على الصعد كافة”. وأضاف: “يكفي أن نعرف أنه نجل القسيس إدكار طرابلسي، لندرك إبن أي بيت هو، وما هو مستواه العلمي والاخلاقي والثقافي، والأهم، ما هو مستوى الآدمية التي يتمتع بها، والتي يعتمدها كمشعل لانارة دربه الوطني، إنطلاقا من البلدية وصولا إلى خدمة البلد ككل”.
وأوضح: “جو مهندس استشاري للأمم المتحدة – يونيسف، ناشط في الشأن السياسي والإجتماعي والرياضي، ومشارك في عدة ندوات ومؤتمرات أكاديمية، هندسية ونقابية.
ولد في الأشرفية – بيروت عام 1989، حائز على شهادة في الهندسة المدنية من كلية الهندسة في الجامعية الأميركة في بيروت، وعلى شهادة الماجستير في الإدارة الهندسية من كلية الهندسة في الجامعة نفسها. بدأ مسيرته المهنية في شركة “دار الهندسة” (الشاعر وشركائه)، حيث عمل على التخطيط الهندسي لعدة مشاريع في لبنان والعالم العربي، كما عمل في بناء مشاريع عدة في وسط العاصمة بيروت… وإلى ذلك كله، هو عازف فلوت ماهر، درس 7 سنوات في المعهد الوطني العالي للموسيقى… وعلى خطاه سار شقيقه الأصغر اندرو، الذي حاز بدوره على بكالوريوس علوم في الادارة الزراعية وبكالوريوس علوم ودبلوم في الهندسة الزراعية، ودرس 7 سنوات بيانو في المعهد الوطني العالي للموسيقى”.
“والده القسيس إدكار طرابلسي، الامين العام لمجلس الكنائس الانجيلية الكتابية في لبنان وسوريا. رئيس لمعهد اللاهوت المعمداني اللبناني. يحمل الدكتوراه في اللاهوت منذ العام 2012. ابتدأ خدمته الرعوية في الاشرفية في العام 1984. أسس عددا من المؤسسات الكنسية والوقفية. ناشر مجلة “رسالة الكلمة”. له سبعة اصدارات لاهوتية مميزة منها “المسيح الاعظم” و”اصحاب السيادة”. وله عشرات المقالات المنشورة وما يزيد عن 300 حلقة تلفزيونية واذاعية. ناشط بالشأن العام ومنسق لجنة الاعلام المركزية في التيار الوطني الحر”.
“أما والدته ندى ميشال عطوي. فهي ابنة رأس بيروت. حائزة على بكالوريوس في علوم الكومبيويتر من كلية بيروت الجامعية BUC/LAU. درست 11 عاما بيانو في المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفاتوار)، وتحمل الماجستير بالموسيقى الكنسية من كلية كوفنغتون في اميركا. عملت لسنوات كمسؤولة IT لدى شركة خطيب وعلمي للهندسة، قبل ان تتفرغ للعمل الرعوي والانساني والاجتماعي مع شريك حياتها. ولها العشرات من المقالات المنشورة في التربية والزواج والمرأة والموسيقى. ترشحت لعضوية المجلس البلدي في بيروت عن التيار الوطني الحر في العام 2010”.
وختم المصدر المقرّب من التيار العوني قائلا: “هذا هو جوزيف طرابلسي، وهؤلاء هم أهل البيت الذي نشأ فيه، وهذه هي بيئته، ومنطلقاته الوطنية، التي شكّلت مجتمعة الدافع الأكبر لترشيحه لعضوية بلدية بيروت، كأحد أفضل الطاقات الشابة والفرسان الأوادم من حاملي لواء الاصلاح ومشعل التغيير”…
ابن بيروت
موقع Aleph-Lam سأل جوزف طرابلسي عن أسباب ترشّحه إلى عضوية مجلس بلدية بيروت، فأجاب:
-لأني ابن بيروت وأحب مدينتي، فقد ترشّحت لأخدم أهلها. وأتعهّد، في حال فوزي في الانتخابات، أن أمثّل جيل الشباب وتطلعاته الرياضية والثقافية ووالاجتماعية في المجلس البلدي.
وحول برنامجه واولوياته وطموحاته، قال:
-على رأس اهتماماتي يأتي النضال من أجل توفير المساكن الشعبية لأبناء المدينة، وذلك من أجل الحدّ من تهجيرهم ومن تفريغ العاصمة من أهلها وشبابها.
وسأعمل مع زملائي للتخفيف عن المحرومين من أهالي المدينة عبر دعم المدارس الرسمية وتوفير المستوصفات والمراكز الصحية والاجتماعية والتي تعنى بمشاكل الإدمان وتطويرها.
أما طموحي فيتمثل بأن ينعم جميع سكان أحياء بيروت –بلا استثناء- بالحياة والعمل والسياحة والبيئة النظيفة والطرق والأمن والسلامة، من دون أن تهدّد حياتهم الجريمة والسرقة والتلوث والسيارات والضجيج والتوتّر.
وختم: “أعد أنّي ألتزم بإخلاص تام مبادئ الحوكمة الصالحة والقوانين اللبنانية والشفافية والفعالية والمراقبة الفعّالة للعمل البلدي والخضوع للمساءلة، بينما أعمل بمسؤولية وبإيجابيّة مع زملائي على تحقيق البرنامج الإنتخابي لـ “لائحة البيارتة”، لما فيه خير العاصمة ورفعة الوطن”.
إطلاق نار مركز
لكن، لم تكد “لائحة البيارتة” تبصر النور، حتى بدأ “التيار الوطني الحر” يتعرض لإطلاق نار مركز، تحت عناوين كثيرة، وشعارات فضفاضة. والاتهام الأبرز الذي سيق في حق التيار (حسبما أوضح الزميل جاد ابو جودة في مقال له، نشره على موقع التيار الالكتروني) هو أنه دخل في لائحة تضم “فاسدين”، وأنه بذلك يؤمن غطاء سياسياً ومعنوياً وازناً للحريرية السياسية، التي تشكل رأس حربة التلوث السياسي في لبنان.
في المقابل، أتت بعض الردود المدافعة ضعيفة، ما أوحى أن التيار أقدم على الخطوة “إجر لقدام إجر لورا”، وبلغ الأمر بالبعض حد التلميح بأن فريقاً من ضمن التيار تفرد بالقرار تحقيقاً لمصالح معينة، فيما تمسك الآخرون بالمبدئية، وراحوا يكيلون الشتائم عبر مواقع التواصل، على وقع مزايدات باتت معتادة من أسماء تكرر ذاتها، وتجتر كلامها غير المنطقي.
وأضاف ابو جودة: غير أن المتفهمين للخطوة التي اتخذها التيار بالاشتراك في “لائحة البيارتة”، يستندون إلى الاعتبارات الآتية:
أولاً: إن نقطة الانطلاق في كل ما يقدم عليه التيار في السياسة، تكمن في تلازم صفتيه الميثاقية والإصلاحية. فهو القوة السياسية الأكثر تمثيلاً للمكون المسيحي، وهو تيار التغيير والإصلاح شبه الوحيد في البلاد. وبناء على ما تقدم، تتحمل القيادة باستمرار مسؤولية مزدوجة: فإذا غاب التيار، غاب المكون المسيحي الأساسي. وإذا شارك، فهو عرضة دوماً لتهمة تغطية الفساد. وما ينطبق على إحجام نواب التيار ووزرائه عن تقديم استقالاتهم من مجلسي النواب والوزراء بفعل التمديدين والفشل الحكومي، ينسحب على بلدية بيروت.
ثانياً: كما في الاستحقاقات البلدية السابقة في العاصمة، لم تتبلور نواة لائحة معارضة لتيار المستقبل تكون قادرة على خوض المنافسة، ولاسيما على الضفة المسلمة، حيث غالبية المكونات السياسية والعائلية السنية والشيعية والدرزية مصطفة إلى جانب الحريريين، مع استثناء حزب الله الذي لم يدخل اللائحة، بل يعتبر ممثلاً بشكل غير مباشر فيها عبر حركة أمل، وهو في كل الأحوال غير مستعد للاشتراك في لائحة مقابلة للمستقبل لاعتبارات مذهبية واضحة.
ثالثاً: أما على الضفة المسيحية، فبدا أن اتجاه غالبية المرجعيات الروحية والقوى السياسية، باستثناء التيار الوطني الحر، كان يميل إلى تشكيل لائحة توافقية مع تيار المستقبل، خصوصاً في ظل قانون البلديات الحالي الذي يجعل من بيروت دائرة واحدة، ما يمنع أي صوت معترض من التعبير عن نفسه بحرية، تماماً كما كانت حال العاصمة قبل عام 2008 بالنسبة إلى الانتخابات النيابية.
رابعاً: إن تشكيل الائتلافات البلدية كما النقابية، لا ينطلق من السياسة حصراً، بل يضيع فيه حابل السياسة بنابل الإنماء أو مصلحة المنتسبين إلى نقابة ما، ما يفسح في المجال أمام رسم برامج مرحلية مشتركة يعمل على تحقيقها، فإذا تم الالتزام كان به، أما إذ حل الفشل، فصار فضح التجاوزات ورفع الغطاء عن المرتكبين واجباً يتحمل مسؤوليته من يمثل التيار في المجلس البلدي الجديد خلال السنوات الست المقبلة وبعدها.
خامساً: إن دخول التيار الوطني الحر في “لائحة البيارتة” لا يعني بأي شكل من الأشكال عقد تحالف سياسي مع تيار المستقبل، تماماً كالاشتراك في حكومة واحدة، وهو ما حصل مع فؤاد السنيورة بعد اتفاق الدوحة، وسعد الحريري إثر انتخابات 2009، وفي الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام. فحتى لو كان البيان الوزاري واحداً، كما البرنامج البلدي، تبقى العناوين الخلافية الكبرى هي إياها، والممارسات المرفوضة معروفة، والجهتان على طرفي نقيض من معظم ما يطرح على المستوى المحلي، وحتى الإقليمي.
ختاماً، قال أبو جودة: في الأعوام 1998 و2004 و2010، خاض التيار الوطني الحر مفاوضات مع الحريرية السياسية للبحث في إمكان الاشتراك في لائحة موحدة في العاصمة. تعددت الظروف وتبدلت، لكن الأكيد أن المفاوضات فشلت في السنوات الثلاث. أما الذي تغير اليوم، فليس الطبع الإلغائي لتيار المستقبل، بل جلّ ما في الأمر، أن إعلاناً للنوايا حصل في الرابية في 2 حزيران 2015، وأن اتفاقاً ببنود عشر عقد في معراب في 18 كانون الثاني 2016، ما جعل المفاوض المسيحي عامة، والعوني خاصة في موقع أقوى، وهو الذي سمح بتحسين الشروط، وفتح الباب أمام الحل.
وفي كل الأحوال، إن تيار المستقبل يبقى تيار المستقبل، والتيار الوطني الحر يبقى تيار التغيير والإصلاح. أما المسيحيون، فباتوا على موعد متجدد يوماً بعد يوم مع القوة النامية والدور المستعاد، لأن الغبن الذي كان يصح بالأمس، صار مستحيلاً اليوم.