خالد غزال
(كاتب وباحث- لبنان)
في كتاب «اللوبي الخليجي– العربي في أميركا، بين الطموح والواقع»، للباحثة دانية قليلات الخطيب، يُرصَد واقع حركات الضغط العربي في أميركا، خصوصاً بلدان الخليج العربي. والحديث عن جماعات الضغط (اللوبي) في أميركا أمر طبيعي ناجم عن شرعية تكونها، وعن لجوء إثنيات وجماعات متعددة تعيش في أميركا إلى اعتمادها وسيلة لممارسة ضغوط معينة على السياسة الأميركية لتحقيق مطالب تتصل بالدول التي تنتمي إليها هذه الجماعات.
وإذا كانت الشهرة تطاول اللوبي الإسرائيلي في أميركا ودوره في التدخُّل في السياسات الخارجية الأميركية، فإن هناك جماعات ضغط أخرى معروفة مثل اللوبي اليوناني واللوبي الهندي اللذين مارسا دوراً فعالاً. في هذا المجال، يُطرح سؤال عن موقع العرب في ممارسة الضغط على السياسات الأميركية خدمة للقضايا العربية، ولماذا لا يزال العرب عاجزين عن تكوين لوبي مماثل للإسرائيلي في وقت يملكون إمكانات مادية ومالية وبشرية تجعل من تحقيق هذا اللوبي أمراً فعلياً؟ (صدر الكتاب عن «مركز دراسات الوحدة العربية» عام 2016، وترجمه الدكتور محمد شيا).
تشير الباحثة الى «ان أكبر مشكلة تعوق دول الخليج العربي في السعي لإنشاء لوبي أصيل أميركي منظّم قاعدته من الأميركيين العرب هو أن مفهوم «اللوبي» غير واضح للعرب، «لأن النظام العام السياسي والاجتماعي والسيكولوجي في الخليج يختلف عنه في أميركا. ففي أميركا، الحق بالتظلُّم للحكومة هو حق محفوظ دستورياً وهذا يختلف عن الخليج. فبالرغم من أن في دول الخليج مجالس يلجأ اليها المواطنون للتظلُّم، فهذه المجالس لا تقارن بعملية الضغط في أميركا وهي عملية منظّمة لها شكل مؤسساتي». إذا كان انعدام أو ضعف وجود قوى ضغط في العالم العربي، الخليجي منه وغير الخليجي، ناجماً عن طبيعة السلطة في العالم العربي وكيفية تكوُّنها، فهل يبرر ذلك عدم قدرة العرب على تكوين جماعات ضغط في بلد يتيح هذا التكوين من دون أية معوقات؟ وما الأسباب الفعلية الكامنة وراء هذا العجز؟
ترصد الباحثة سمات الضغط العربي قياساً على الضغط الإسرائيلي، فاللوبي الإسرائيلي يعمل على بناء قصة شاملة عن دولة اسرائيل بوصفها دولة ديموقراطية محاطة بجماعات معادية لها. فيما تكاد القضايا العربية الرئيسية غير واضحة للشعب الأميركي أولاً، مما يجعل التواصل العربي الأميركي ضعيفاً، كما تسود فكرة أخرى ناجمة عن «وهم» عربي خليجي، أن لا حاجة لتكوين لوبي لأن الولايات المتـحدة هي التي تحتاج الى الخليج العربي الغني بالنفط، وهي ستــتدخل لدعم هذه الدول في حال وجود أخطار تهددها. لذا اقتـصرت ممارسات جماعات الضغط الخليجية على العلاقات العامة مع سياسيين أميركيين في مستويات عليا، وليس في تكوين «لوبي» فاعل على الأرض، فيما يعرف كل من يتعمق في قراءة وتحليل السياسات الأميركية، أن هذه العلاقات الشخصية لا تضمن تأثيراً في السياسة الأميركية.
لا تنكر الباحثة الخطيب أن بعض المحاولات العربية الضاغطة نجحت في تحقيق مصالح عربية. تسجل في هذا المجال كسر المملكة العربية السعودية حظر السلاح المتطور عنها تحت ضغط اسرائيل. ففي العام 1978، نجحت المملكة في إبرام صفقة طائرات «أواكس» التي شهدت شد حبال بين الضغط السعودي لإتمامها وبين الضغط الاسرائيلي لمنعها. يومها، نجح السعوديون لأنهم تواصلوا مع أعضاء الكونغرس لإقناعهم بالصفقة، كما تواصلوا أيضاً مع الصحافة، وكذلك مع الشركات التجارية والصناعية ذات الاختصاص الحربي. ولكن، في مقابل نجاح السعودية كان هناك فشل لدولة الإمارات في إنجاز صفقة «موانئ دبي» التي شهدت صراعاً بين الشركات الأميركية منعت تحقيق الصفقة بعد أن تم تجييش سياسي أميركي ضد دولة الإمارات وإدخال قضية الإرهاب العربي بعد هجمات سبتمبر 2011، وعجز «اللوبي» العربي في أميركا عن تحقيق أصوات سياسية كافية لإنجاز مرفق صناعي وتجاري مهم في دولة الإمارات.
وتعدّد الباحثة جملة قضايا أساسية تواجه اللوبي العربي في الخليج، وترى أن أهمية وعيها ومعالجتها تشكل أحد الشروط الأساسية لممارسة الجالية العربية هناك دوراً فاعلاً. فالمشكلة الأولى التي تعانيها دول الخليج تتصل بالصورة السلبية المتكوّنة في الذهنية الأميركية التي تتهم هذه الدول بالإرهاب وبمساعدته على الانتشار. ازدادت هذه الصورة قتامة في السنوات الأخيرة من صعود الحركات الإسلامية الأصولية واعتمادها الإرهاب وسيلة في نشاطها. هذه الصورة جعلت دول الخليج تحجم عن ممارسة دور الضغط على الأميركيين خوفاً من الارتدادات السلبية على هذه الدول نفسها.
أما المشكلة الثانية فهي ناجمة عن خوف دول الخليج من التدخُّل الأميركي في شؤونها، وهو ما جعلها تتهيب تكوين لوبي عربي ضاغط. «لكن تلك الرؤية خاطئة، فعدم وجود لوبي عربي لن يحث أميركا على المعاملة بالمثل ويحد من تدخلاتها في أمور الخليج، بل على العكس» على ما تشير الكاتبة.
وتتعلق المشكلة الثالثة بكون دول الخليج لا تبذل الجهد الكافي للتواصل مع المؤسسات العربية في الولايات المتحدة، بل هي ترى أنها منظمات غير فعالة يحكمها التنافس والصراع في ما بينها. في المقابل، تسود ظاهرة قوامها أن الأميركيين من أصل عربي لا يثقون إجمالاً بدول الخليج ويعتبرون سياسة هذه الدول متسمة بالوصولية والانتهازية، وهو ما يجعل دول الخليج تفتقد الى القاعدة الشعبية على غرار ما يتمتع به اللوبي الاسرائيلي. تشدد الباحثة على أن دول الخليج «لا تستوعب فكرة انها بتقوية الجالية العربية فهي تقوم بشكل غير مباشر بتقوية موقفها داخل الولايات المتحدة الأميركية، حتى لو لم تقم تلك المؤسسات بدعم المصالح الخليجية المباشرة كشراء مقاتلات أو بدعم الصفقات التجارية».
أما المشكلة الرابعة فتلك المتصلة بالهوية أو الانتماء. فعلى رغم الأصول العربية للعرب الأميركيين، إلا انهم لا يشعرون بانتماء الى عرب دول الخليج. كما أن هؤلاء العرب الأميركيين يحملون نظرة مختلفة عن أقرانهم تجاه الأحداث السياسية والصراعات الدائرة في المنطقة العربية، وهي نظرات متفاوتة برزت بحدتها خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الانتفاضات العربية. فعلى سبيل المثل، هناك معارضون للنظام السوري كما هناك مؤيدون له، كما برز تفاوت متناقض في مواقف بعض المؤسسات، فبينما تدعو اللجنة العربية الأميركية المناهضة للتمييز العنصري في أميركا الى عدم التدخُّل في شؤون البلدان العربية الداخلية، يدعو المركز العربي الأميركي الى حماية الأقليات في سورية. هذا إضافة الى عجز المؤسسات العربية عن تكوين قضايا وطنية عربية شاملة تنطلق منها في تأمين القوى السياسية والشعبية الضاغطة على السياسة الأميركية الرسمية تجاه المنطقة.
هذه الصورة السلبية لمنظمات الضغط العربية، مسؤول عنها العرب أنفسهم قبل إلقاء التهم على الأميركيين. فالعرب، جميعهم، يملكون من المواقع داخل الولايات المتحدة، والقدرات المالية الهائلة الموظفة في المصارف الأميركية، وموارد النفط والغاز في الدول العربية، ناهيك بالموقع الاستراتيجي الذي لا تزال الدول العربية تحتله عالمياً… وهي كلها عناصر يمكن لتوظيفها أن يغيّر من السياسة الأميركية تجاه القضايا العربية. في التاريخ العربي، خصوصاً في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، أمكن للضغط العربي عبر حظر تصدير النفط أن يهز الاقتصاد العالمي لفترة غير قصيرة من الزمن. ما ينقص العرب لتكوين «لوبي» ضاغط انما هو الإرادة العربية والقرار السياسي الحازم، خصوصاً أن قضايا العرب تستحق أن يعطيها الحكام والمؤسسات العربية في الخارج ما تستحقه من أجل قيام هذا اللوبي وتفعيل دوره.